مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة
زوارنا الكرام ألف تحية وألف السلام: المنتدى منكم وإليكم يتشرف بزيارتكم وانتسابكم, وبدعوكم للمساهمة الجادة والهادفة لخلق فضاء ثقافي وإبداعي قي سماء أمتنا العربية المجيدة
مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة
زوارنا الكرام ألف تحية وألف السلام: المنتدى منكم وإليكم يتشرف بزيارتكم وانتسابكم, وبدعوكم للمساهمة الجادة والهادفة لخلق فضاء ثقافي وإبداعي قي سماء أمتنا العربية المجيدة
مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة

منتدى الوفاء للكلمة الحرة, ;ولـغـة الـضـاد-, وفتح الآفاق للمشاعـر الإنسانية الصادقـة, التي تتمرد عـلى كل العوائق وتتسلل بين الرقائق كي تنشر تلك البوارق.
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
أخي العربي , أختي العربية, هاهي أمتنا العربية تدعونا للنفير من أجل الخلاص, الخلاص من الردجعية والعمالة , من أجل عالم عربي نظيف خال من الاستعمار والمهانة, فهيا بنا نشحذ الهمم ونركب القمم
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» انتربول المغرب استخدم مذكرة بحث ملغاه ومزورة للقبض على الملياردير الهاشمى
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1الإثنين 7 أبريل 2014 - 18:02 من طرف نارينا

» حركة شحنة في مجال مغناطيسي
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1الإثنين 24 مارس 2014 - 12:59 من طرف المدير

» فيزياء للأولى ثانوي توصيل المكثفات على التوازي
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1الإثنين 24 مارس 2014 - 12:53 من طرف المدير

» يألم الأحرار سب رسول الله ظهرا
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1الأربعاء 5 مارس 2014 - 13:37 من طرف المدير

»  الإخوان الشياطين يكشفون عن وجههم الحقيقي ويستعدون لخلط الأوراق في سورية
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1الأحد 16 يونيو 2013 - 14:30 من طرف المدير

» من روائع الشاعر الثوري أحمد مطر كتبها اعتذارا للنبي صلى الله عليه و سلم
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1الأحد 7 أبريل 2013 - 16:52 من طرف المدير

» طبيب صهيوني يغتصب مجندات إسرائيليات
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1السبت 2 مارس 2013 - 19:26 من طرف المدير

» لن تهزم سورية ***ولن ينتصر الإرهـــاب
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1السبت 2 مارس 2013 - 19:16 من طرف المدير

» الحريري بين اليوم والأمس..!
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1السبت 2 مارس 2013 - 19:05 من طرف المدير

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
منتدى
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
منتدى
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط مــنـتـدى الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة على موقع حفض الصفحات
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

 

 دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير
مدير المنتدى
المدير


عدد المساهمات : 634
تاريخ التسجيل : 22/02/2010
العمر : 53
الموقع : KHEMIES.AHLAMONTADA.COM

دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Empty
مُساهمةموضوع: دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله    دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله  Icon_minitime1الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 20:08

دراسة قرآنية تربوية
الـــفــــرح
زيد عمر عبد اللهمن إعـداد:
للأمانة البحث منقول من موقع: http://www.alukah.net/Sharia/0/457/
ملخص البحث:
عنوان هذا البحث "الفرح: دراسة قرآنية تربوية" عرض فيه الباحث للفرح في ضوء القرآن الكريم، ودلالة آياته، وهداياتها، التي تحدثت عن الفرح، مستعيناً بالدراسات الإنسانية في هذا المجال.

ذكر البحث أن الإنسان غيرُ متَّزن تجاه انفعالاته، والفرحُ واحد منها؛ ولهذا حرص القرآن الكريم على توجيه هذه الانفعالات وضبطها؛ لتؤدي دورها الإيجابي في حياة الإنسان، وقد تبيّن من خلال هذه الدراسة القرآنية أن الفرح ثلاثة أقسام:
القسم الأول: المحمود، وهو ما يتعلق بأمور الدين، ولهذا القسم صوره وآثاره الإيجابية، عرض لها الباحث.
والقسم الثاني: هو المذموم، تحدث عنه البحث في ضوء حديث القرآن عنه، فذكر صوراً منه صدرت عن اليهود والمنافقين والكافرين والمترفين، ثم ذكر آثاره السلبية الكثيرة.
كان الفرح المباح هو القسمَ الثالث من أقسام الفرح، وبيّن البحث: أن هذا القسم ينسجم مع الطبيعة السوية للنفس البشرية، مع ضرورة الاحتراز منه؛ لكيلا يؤدي التساهل في شأنه إلى عواقبَ غيرِ محمودة.

وقد ظهر للباحث تميّز المنهج القرآني بشأن الانفعالات في الحكم، والضبط، والتوجيه، مع وجود قواسم مشتركة بينه وبين بعض ما ورد عن مدارس الفلسفة وعلم النفس في هذا المجال، وقد قصد الباحث من هذه الدراسة أن تكون خطوةً في مجال الدراسة في التفسير الموضوعي.

المقدمة:
بسم الله، له الحمد، سبحانه عزَّ من قائل: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم:43].

الإنسان ... هذا المجموعة من الانفعالات، لا يخلو - وهو يمضي في رحلته الدنيوية - من أن يكون فرحاً أو حزيناً، والفرح هو الأصل؛ لأنه الأنسب إلى طبيعة النفس السليمة التي فُطر عليها.

بَيْدَ أن الأحوالَ قُلَّب، والأيامَ دول، فتارة تبشُّ الدنيا للإنسان فيفرح، وتداعب منه العواطف، ثم بعدُ، حين تعصف به العواصف، وهو بذلك بين مفرحتين، قاعد بين سلامة وحَيْن.

المفرحات كثيرة، وكلٌّ يسعى إليها، والمحزنات كذلك، وكُثْرٌ يهربون منها، ولكن لنا أن نتساءل كما تساءل الفلاسفة من قبلُ: لِمَ يقعُ الناس في الشقاء وهم يهربون منه؟ ولِمَ تَفُوتُهم السعادة والكل يحرص عليها؟

هذا الاضطراب أو الخلل، أيعود إلى سوء استعمالنا لهذه الانفعالات؟ فنفرح فيما لا ينبغي، على الوجه الذي لا ينبغي! أم أن فقدان الضوابط أدَّى إلى طغيانها – أي: الانفعالات – ؟ فغدا عدم الاتزان سمةًَ بارزةً في الحياة الإنسانية، حتى صرتَ ترى من الناس - والحالة هذه - من يألم من اللمس، ويجفل من الهمس، وعلى صعيدٍ آخر أناس غلاظ الأكباد، لا انسجام مع دواعي الفرح ولا انقياد.

أم أن لخفاء بعض المعالم أثراً في عدم تمايز أقسام الفرح، المحمود منها والمذموم، ثم المباح، فأدَّى هذا التداخل إلى سلبيات وانحرافات؟.

تساؤلات ومفارقات تضافرت؛ فكانت هذه الدراسة القرآنية التربوية للفرح، تهدف إلى جَمْعِ مُتفرِّقه، ولَمِّ شعثه؛ لتنتظم في صعيد واحد، تتضح فيه معالمه، وقد قيل: "كم من منفرد حِيلَ بينه وبين أخيه، ونازحٍ عن أمه وأبيه، ومنفصلٍ عن فصيلته التي تؤويه".

لقد شجع على هذه الدراسة أني لم أجد - بعد طول بحث ونظر - من كتب عن الفرح كتابة مستقلة، وهذا مبلغ علمي في ذلك.

جاءت هذه الدراسة في ضوء القرآن الكريم، وكان مِحْوَرَها، واستعنت بالدراسات الإنسانية؛ لعلها تكون خطوةً في الاتجاه السليم نحو تأصيلٍ لانفعال الفرح بخاصة، والانفعالات الأخرى بعامة، وهي من جهة أخرى: محاولة لتقديم دراسة تطبيقية لموضوع قرآني، في ضوء خطوات التفسير الموضوعي.

تمهيد:
الفرح واحد من عدة انفعالات تشكل بمجموعها - عند بعض علماء النفس - الانفعالات الأصلية أو الأساسية [1، ص50] للنفس البشرية، وهي: الفرح، والحزن، والحب، والكره، والرغبة، والتعجب [1، ص51].

ينبثق عنها ما سمي بالانفعالات الخاصة، وهي تربو على الثلاثين عند "ديكارت" [1، ص51]، ومنها: التكبر، والحسد، والشماتة، والندم، والرأفة؛ لكنَّ هذه وأشباهَها عند آخرين بعضُ أنواع الانفعالات الأصلية، ويبدو هذا التقسيم فنيّاً [2، ص34].

إن الفرح الذي يَعنينا في هذه الدراسة ذاك الفرحُ الفطري المعروف، وهو كغيره من الانفعالات التي خلقت مع الإنسان، وجُبِلَتْ عليها النفس، فما من إنسان إلا وهو يفرح ويحزن كما قال علماء النفس [2، ص34]، وسبقهم السلف إلى هذا المعنى بعبارة أكمل نُقِلت عن ابن عباس، ونسبها بعضهم إلى تلميذه عكرمة، جاء فيها: "ليس من أحدٍ إلا وهو يحزن ويفرح، ولكن المؤمن يجعل مصيبتَه صبراً، وغنيمتَه شكراً" [3، جـ17، ص258].

قيل: إن الفرح ليس خاصاً بالإنسان؛ فإن الحيوانات تفرح، وتعبر عن فرحها بالضحك [4، ص83] باعتباره أهم الإشارات الدالة على الفرح [1، ص51]، والغالب أنها تعبر عن فرحها بحركات قد يعرفها من يُعْنى بشؤونها.

قد لا يقبل "المَنَاطِقَةُ" هذا الرأي، وهم الذين يُعَرِّفون الإنسان بأنه حيوان ضاحك؛ تمييزاً له عن سائر المخلوقات، وهي دعوة لإعادة النظر في هذا التعريف، في ضوء تطور الدراسات التي تُعْنى بشؤون الطيور والحيوانات، والتي بلغت شأواً يستحق التأمل.

إن الفرح - من حيث هو انفعالٌ طبيعي، وشعور وجداني - شيءٌ جميل، وحسبنا دليلاً أنه مشروع في أصله، وهو صفة كمال [5، جـ3، ص464]، وجاء النص الصحيح في إثباته لله تعالى، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لَلَّهُ أَفْرَحُ بتوبة عبده من أحدكم؛ سقط على بعيره، وقد أضله في أرض فلاة))[1].

لقد أثبت الرسول - صلى الله عليه وسلم - الفرحَ لله تعالى، ونحن نثبت لله تعالى هذه الصفة كما أثبتها له رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكما أثبت الله تعالى لنفسه مثيلاتها من الصفات، كالغضب والحب، إثباتاً يليق بجلاله، ويناسب ذاتَه الْعَلِيَّة.

ولا يُلْتَفَت إلى ما ذكره بعض شُرَّاح الحديث [7، جـ1، ص84] في هذا المقام من تأويل الفرح بالرضا؛ بحجة أن الله تعالى منزَّه عن الفرح؛ لأنه اعتزاز وطرب، يجده الإنسان من نفسه عند ظفره بغرضٍ يستكمل به نقصانه، أو يسد به خَلَّتَه، أو يدفع به عن نفسه ضرراً أو نقصاً.

ولا يتعذَّر على منصف أن يثبت لله هذه الصفات، مع تنزيهه - سبحانه - عن المشابهة والمماثلة، في ضوء قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11].

فالرب - سبحانه - يوصف بالفرح اللائقِ بذاته، والمباينِ لفرح الخلق - [9، ص308]، وفى هذا إشارة إلى إيجابية الفرح كما ذكرنا، فهو قِوام تمتع النفس بالخير، الذي تُصَوِّره لها انطباعاتُ الدماغ على أنها تملك خيراً معيناً [1، ص62]، يستحق أن يقابل بهذا التأثر المبهج، وهو الفرح.

كثير من متع الحياة تتوقف على الفرح؛ لأن الانفعالاتِ - في ذاتها - جزءٌ من تكوين الإنسان السَّوي، والسوء إنما يأتي الفرح من خارجه [1، ص10]، فيحيله إلى شيء مذموم ومضر، يؤدي بالإنسان إلى الخسران.

لقد أدرك الفلاسفة وعلماء النفس هذا الأمر، فنبَّهوا إلى أثر الإرادة في تهذيب الفرح [1، ص410] باعتباره انفعالاً، وعبّر بعضهم عنها بقوة الأعصاب [1، ص64]، أو بضرورة ممارسة الفضيلة؛ لتجنب الآثار السلبية للفرح على النفس [1، ص9]، ومنهم من ربط بين الفرح كونه انفعالاً وبين قوة التفكير [10، ص ص261-263؛ 11، ص201]، وآخرون وصفوا الضابط الذي يُجنّب الإنسان سلبيات الفرح بالمكابدة [12، ص150].

للقرآن في هذا المجال منهج متميز، سيكون محورَ هذه الدراسة - إن شاء الله - بخاصة أن القرآن الكريم يتضمن اثنتين وعشرين آية عرضت للفرح صراحةً، بالإضافة إلى آيات أُخَرَ ألقت بظلالها على هذا الموضوع، يضاف إليها أحاديث نبوية أسهمت في التأصيل الشرعي للفرح.

حمل خلقُ الله تعالى لأبى البشر آدم - عليه السلام - كثيراً من مظاهر التكريم له؛ فقد خلقه الله تعالى بيديه الكريمتين، قال تعالى: {قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ } [ص:75].

ونفخ الله تعالى في آدم من رُوحه، وأمر الملائكة أجمعين أن يسجدوا له: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [الحجر:29]، إضافةً إلى كثير من مظاهر التكريم، والتي عرض لها القرآن، ليس هذا مقامَ ذكرها.

لقد صاحب مظاهرَ التكريم هذه تلبُّسُ الإنسان ببعض الصفات السلبية، جعلها الله تعالى في النفس البشرية؛ لحكم أرادها سبحانه وتعالى، منها: تأكيد حاجة الإنسان لعناية ربه وهديه ورحمته، فكان أن تلبَّس الإنسان [13، ج29، ص169] أشد التلبس بصفات: كالضعف، والعجلة، وجعلت في قالب أنه جُبِلَ عليها وخلق منها؛ إمعاناً في إبراز تأصيلها في نفسه.

خُلق الإنسان عجولاً، يقول تعالى: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ} [الأنبياء: 37]، ولازمته صفة الضعف: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء:28]، ومن الضعف والعجلة نشأت صفة عدم التوازن.

إن الإنسان - بصفة عامة - غيرُ متَّزن تجاه انفعالاته، وما يَعْرض له، وأكد القرآن الكريم هذه الصفة في مواضع منها: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً} [ المعارج:19-21]، والهلع: قلة إمساك النفس عند اعتراء ما يحزنها أو ما يسرها، أو عند توقع ذلك والإشفاق منه [13، جـ29، ص 167].

والفرح: انفعال جُِبل عليه الإنسان وتلبَّس به، ومن الخذلان بقاء النفس على ما جُبِلَت عليه [5، جـ3، ص479]، فلابد - والحالة هذه - من مقابلة هذا الفرح الفطري بشيء مكتسب؛ ليضبط هذا الانفعال، وهذا متوافر في توجيهات الشرع، وهي تؤدي هذه المهمة خيرَ أداء، هذه المهمة التي أوكلها الفلاسفة وعلماء النفس إلى الإرادة، أو المكابدة، أو قوة التفكير - كما أسلفنا - وإن كنا نرى أن هذه كلها إلى التفاهم أقرب منها إلى التصادم في القيام بمهمة ضبط الفرح، مع تميز المنهج الإسلامي في هذا المقام.

حرص الإسلام على تهذيب الفرح وتوجيهه؛ لإبراز الجانب الإيجابي منه، ولاستثماره بما يعود على النفس بالخير والسعادة، خلافاً لبعض المدارس الفلسفية التي ترى ضرورة استئصال الانفعالات - والفرح واحد منها - لأنها أمراض حقيقية.

كلمة في التعريف:
الفرح - الانفعال في النفس، والآثار على الجسم - شيء معروف مألوف لدى الناس، لا يختلفون في استحضاره في الذهن ولا في تصوره، وإن تباينت أسبابه، وآثاره، ووسائل التعبير عنه.

إن الشيءَ الذي يُفرح الرجل، غيرُ الشيء الذي يُفرح الطفل، وما يُفرح المرأة غير ما يُفرح مَنْ سواها، وقد تختلف تبعاً لذلك آثارُ هذا الفرح ووسائل التعبير عنه، ولكن لا اختلاف في أن ما يشعر به كل واحد منهم من لذة وسعادة وابتهاج - يُسمى فرحاً.

وقد يبدو الباحث في تعريف الفرح في موقف يُمْلي عليه شيئاً من الاحتياط، فيكون حديثه إلى تحليلِ مفهوم أقرب منه إلى توضيحِ معلوم.

لأهل اللغة في تعريف الفرح كلمة تُلقي بظلالها على دلالته، فالفرح من كلمات الأضداد عندهم، تحدث ابن فارس عن هذه اللفظة فذكر لها أصلين، أحدهما: المعنى المتبادر، وهو ما كان ضد الحزن، والثاني: المُفْرَح بسكون الفاء وفتح الراء، بمعنى المثقَل بالدين [14، جـ4، ص500؛ 15، جـ5، ص20].

وجاء في القاموس المحيط [16، جـ3، ص462]: المفرَح - بفتح الراء - المحتاج المغلوب الفقير، الذي لا يعرف له نسب ولا ولاء، والقتيل يوجد بين الفريقين، وخلص الراغب من هذا فقال: "فكأن الإفراح يستعمل في جلب الفرح، وإزالة الفرح" [17، ص228] .

وأنشد القرطبي المفسر لبشر بن عبد الله قوله:
إِذَا أَنْتَ لَمْ تَبْرَحْ تُؤَدِّي أَمَانَةً وَتَحْمِلُ أُخْرَى أَفْرَحَتْكَ الْوَدَائِعُ

ثم قال: "أي: أفسدك؛ لأنها تثقله فتحزنه" [ 3، ج13، ص ص313 - 314].

وكون كلمة الإفراح من الأضداد وضعاً له أصل معتبر، فالفرح الحاصل من لذة الشبع يسبقه ألم الجوع، ويتبعه حزن خوفاً من عودته [ 18، ص166]؛ فإنه لا توجد لذة بدنية إلا والحزن يتقدَّمها، وكثيراً ما يتعقَّبها، ولقد لمح المتنبي هذا التلازم، فقال [19، جـ25، ص16]:

أَشَدُّ الْغَمِّ عِنْدِي فِي سُرُورٍ تَيَقَّنَ عَنْهُ صَاحِبُهُ انْتِقَالاَ

هناك مطلوبات كثيرة يشتهي الإنسان الحصول عليها، والتمتع بها، والفرح بلذاتها، فإذا لم يحصل عليها، أصابه الغم والحزن [12، ص57]. وحُقَّ للعرب أن تقول: "المرء بين مفرحتين، قاعد بين سلامة وحَيْن"، وقريب منه قولهم: "أفرحَتْنِي الدنيا ثم أفرحتني [20، جـ4، ص 178]، أي: سرتني ثم أحزنتني.

وفي ضوء ما تقدم يتبين ضعف قول من قال [21، ص48]: "ولا ضدِّيةَ للفرح وضعاً، وإنما جُعِل المدينُ مفرحاً على سُنَّة العرب في التفاؤل، فالتعبير مجازي أدبي، أصبح عرفاً لغوياً".

لا يخلو الفرح من آثار سلبية، بخاصة إذا بُني علي أساس غير صحيح، يقول "ديكارت" [1، ص86]: "إن انفعالَي الفرحِ والحزن حين يكونان متساويين في الاستناد إلى أساس خاطئ؛ فإن الفرح في العادة يكون أشدَّ ضرراً من الحزن". ويعلل هذا قائلاً: "لأن هذا الأخير – يعنى: الحزن - حين يلزمنا جانب التحفُّظ والتخوُّف يعدنا بطريقة ما إلى الحيطة والحذر، في حين أن الآخر - الفرح - يجعل الذين يستسلمون له جسورين وغير مبالين".

وقد أبدع أحمد بن يحيي "ثعلب" حين فسّر الفرح بأنه: "خفة في النفس [22، جـ2، ص541]، والخفة في انفعال النفس مظنة أن يتجاوز الفرح حدوده، وما قصة الرجل الذي وجد راحلته، التي عليها طعامه وشرابه، بعد أن يئس منها، واستسلم للموت عنا ببعيدة؛ فإنه حين وجدها واقفة فوق رأسه، قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ هذا الخطأ الشنيع من شدة الفرح"[2].

وقد لحظ "أفلاطون" هذا الشيء؛ فقال: "إن اللذة المفرطة تجعل الإنسان هائم العقل مضطرباً، مثل ما يفعل به الحزن في الغالب" [12، ص144].

لعل ما تقدم يفسر لنا: لِمَ كانت العرب تعدُّ تركَ الفرح منقبةً تُمْدح بها؟ كما قال شاعرهم [23، جـ20، ص112؛ 24، جـ7، ص133]:
وَلَسْتُ بِمِفْرَاحٍ إِذَا الدَّهْرُ سَرَّنِي وَلاَ جَازِعٍ عَنْ صَرْفِهِ الْمُتَقَلِّبِ


وقول الآخر أيضاً [23، جـ20، ص112]:
إِنْ تُلاَقِ مُنْفِساً لاَ تَلْقَنَا فُرُحَ الخَيْرِ وَلاَ نَكْبُو بِضُرّ


وكأن الدافع إلى هذا الموقف تجنب أن يوصف أحدهم بالخفة والطيش.

ويُسهِّل فهمَ تفسير ثعلب للفرح بأنه خفة في النفس - ما ذكره العلم الحديث: من أن الإنسان الفرح يسرع نبضه؛ لأن الأوردة المتجهة إلى القلب تتوسع، ويكون الدم فيها ساعة الفرح سائلاً جداً ورقيقاً [1، ص ص66، 77]، ويتناسب مع هذا قول العرب في وصف الشخص (الفَرِح) بقولهم: "يكاد يطير من الفرح".

وأكثر من هذا؛ فإن الفرح قد يؤدي إلى الموت، بخاصة أن الفرح يأتي فجأة [1، ص77]، وفى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أهل الجنة ما يُعِين على تفهُّم هذا الرأي، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - في وصف فرح أهل الجنة: ((فلولا أن الله قضى لأهل الجنة الحياة فيها والبقاء، لماتوا فرحاً))[3].

وعلى الرغم من هذه الملابسات، التي تصاحب الفرح أحياناً، فلا خلاف في أن الفرح إذا أُطْلق، فإنه انشراح الصدر بلذة عاجلة [17، ص228]، وأوسع منه قولهم: انفعال نفسي بنعمة حسِّية أو معنوية، يُلِذُّ القلبَ ويشرح الصدر [26، جـ11، ص406]. وجاء في "المعجم الفلسفي" [27، جـ1، ص654]: السرور، والفرح، والحبور: حالة ملائمة للنفس تنتشر في جوانبها كلها.

ثَمَّةَ فرحٌ آخر، وهو الفرح العقلاني كما يسميه الفلاسفة وعلماء النفس [1، ص ص62، 63؛ 11، ص143]، ويسميه علماء السلوك فرح القلب [28، ص297]، وهو المقابل للفرح الذي هو انفعال النفس، الناتج عن مؤثر خارجي حسي أو معنوي [1، ص62]، في حين أن الفرح العقلاني يأتي النفس من فعل النفس وحده، ولا يعني هذا أن بينهما انفكاكاً.

يرى الفلاسفة الأقدمون أن الفرح العقلاني أكملُ من الفرح الجسماني؛ لأن الأخير تشوبه شوائب، وللذته ضدٌّ، كلذة الشبع، فإنه يقابلها ألم الجوع، بخلاف لذة المعرفة؛ فليس للذتها ضدٌّ [12، ص143]؛ وفي القرآن الكريم من الآيات، التي عرضت للفرح ما يشير في ضوء هداياتها ومقاصدها إلى هذا النوع من الفرح.

الفرح والسرور:
إن ثمَّةَ صلةً بين الفرح والسرور، تحسن الإشارة إليها في معرض الحديث عن تعريف الفرح؛ استكمالاً لجوانب هذه المسألة، فيرى بعض العلماء أن الفرح والسرور متقاربان [29، ص508]، وبهما تسمى تلك الحالة التي تتولد من لذة القلب بإدراك المحبوب ونيل المشتهى [5، جـ3، ص454]، ويرى ابن عاشور أن: الفرح "شدة السرور" [13، جـ11، ص204].

وقيل: السرور أصفى؛ لأنه خالص من الكدر، بخلاف الفرح، فلربما شابَهُ حذر وكدر [16، جـ3، ص464]، واستعمل السرور في الشيء المحمود، وذم الفرح؛ لأنه يورث أَشَراً وبَطَراً، كما في قوله تعالى: {لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [ القصص: 76].

يبدو أن هذه الفروق لا تَسْلم من النقد؛ فإن السرور كالفرح، من حيث إن كِلَيهما قد لا ينجو صاحبُه من الكدر؛ وحسبنا دليلاً سرور الكافر بين أهله في الدنيا، كما قال تعالى: {إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً } [الانشقاق: 13]، وهو سرور مملوء بالكدر؛ لأنه جَلَبَ لصاحبه عذاباً شديداً في الآخرة، ولم ينل من حقيقة السرور في الدنيا إلا القشور، وكم صادف في دروبها من شرور.

وحَصْرُ السرور في الأمور المحمودة بحجة أنه ورد في أمر الآخرة - ليس منضبطاً، نعمْ ورد قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق:7-9]، وورد كذلك قوله تعالى في شأن أهل الجنة: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً} [الإنسان: 11]، ولكن ورد السرور في مقام الذم في حديث القرآن عن أهل النار- كما أشرنا-: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً} [الانشقاق: 10- 13].

والقول نفسه ينال الفرح، فإنه ليس محصوراً في مقام الذم؛ فقد ورد الأمر به في قوله تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس: 58]، وفي قوله تعالي: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [آل عمران: 170]، فلا حجة في الآيات القرآنية لمن مال إلى هذا التفريق.

يوجَّه النقد أيضاً لمن يرى [20، ص49] أن: الأصل في السرور أن مادته من إخفاء الشيء في الصدر وكتمانه، والسرور شعور جوَّاني لا تظهر آثاره بخلاف الفرح.

ذلك أن الآيات المتقدمة - والتي عرضت للسرور - تدل علي خلاف هذا، فسرور الكافر في أهله ظاهر في اللهو والتقلب في الملذات الحسية، وسرور المؤمن بين أهله في الجنة ظاهر، فهو يزداد نضارةً وجمالاً وشباباً، ويتقلب في نعيم الجنة الحسي، ويبدو أن لا فرق بينهما وضعاً، بيدَ أن الفرح أكملُ وصفاً؛ لأن الرب - تبارك وتعالى - يُوصَف به دون السرور؛ فدل ذلك على أن معناه أكمل من معنى السرور" [9، ص308].

والصلة ظاهرة بين الفرح والاستبشار؛ فكلاهما مرتبط باللذة، فالفرح بالعاجلة، والاستبشار بالآجلة، بخاصة إذا جاءت على لسان الشرع؛ فإنها تكون في حكم العاجلة من حيث تحقُّقُ الحصول.

جاء في "المعجم الوسيط" [30، جـ2، ص704]: الفرحة: المسرَّة والبشرى.

وفى "أساس البلاغة" [31، ص337]: لك عندي فُرْحة - بضم الفاء - أي: بشرى، ويقال: لك عندي فرحة إذا كنت صادقاً [32، جـ2، ص601].

فالفرح يكون بالمحبوب بعد حصوله، ويكون كذلك قبل حصوله، إذا كان على ثقة من تحققه، وهذا هو الاستبشار، ومنه قوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [آل عمران:170]، فجمع الله لهم في الآية مسرَّتين: المسرة بأنفسهم، والمسرة بمن بقي من إخوانهم [13، جـ4، ص166].

أقسام الفرح:
الفرح يُمْدح ويُذم بحسب تعلقه، وهذا يعني أن للفرح أقساماً بهذا الاعتبار، وفي سبيل تمييز الممدوح منه والمذموم نظر بعض المفسرين إلى الفرح في ضوء وروده مقيداً أو مطلقاً في القرآن الكريم.

إذا جاء الفرح مطلقاً فهو مذموم - في نظر هؤلاء - كما في قوله تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76]، نقل هذا ابن القيم [5، ص455]، وقال الآلوسي: "وأكثر ما ورد الفرح في القرآن للذم، فإن قُصِد المدح قُيِّد" [23، جـ12، ص16]، ومثّل للأخير صاحب "البحر المحيط" [24، ج5، ص17] بقوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ} [آل عمران:170].

يبدو أن ما ذُكر محل نظر، وليس بمُطَّرِد، فقد جاء الفرح مقيَّداً في مقام الذم: {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]، وقوله تعالى: {وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ} [الرعد: 26].

وهذا ما تنبه له ابن عطية حين قال [32، جـ7، ص 284]: "ولا يأتي الفرح في القرآن ممدوحاً؛ إلا إذا قيد أنه في الخير"، فقيد التقييد الذي أطلقه غيره؛ ليجعل الفرح الممدوح ما قيد بالخير، فيكون المذموم ما قيد بنقيضه أو ترك.

سار على هذا ابن القيم [5، ص456] حين جعل الفرح المقيد نوعين: مقيد في الدنيا يُنسي صاحبَه فضلَ الله ومنته، ومثّل له بقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ} [الأنعام: 44]، والثاني مقيد بفضل الله ورحمته ومثّل له بقوله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} [يونس: 58].

هذا كلام مستقيم، بيدَ أنه لا يسوغ التسليم بهذا التقسيم؛ فالآيات التي ورد فيها ذكر الفرح في القرآن الكريم اثنتان وعشرون آية، مقيدة صراحةً بذكر المتعلق، سواء أكانت في الفرح المحمود أو المذموم.

يستثنى من ذلك ثلاث آيات ظاهرها أنها مطلقة، لكن سياقها القرآني مقيد لها لمن تأملها، ففي قوله تعالى حكايةً عن قوم قارون: {لاَ تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص: 76] هذا الإطلاق مقيد بالفرح المبالغ فيه في زخارف الدنيا، والسياق القرآني ناطق بهذا.

وفي قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود: 10]ظاهره مطلق، وحقيقة الأمر أنه مقيد بالفرح بالنعمة، وعدم التوازن في الانفعال تجاهها.

ومما يعين على تفهم التقييد في هذه الآية آية أخري مشابهة لها ورد فيها الفرح مقيداً، وهي قوله تعالى: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنْسَانَ كَفُورٌ} [الشورى: 48].

والآية الثالثة وردت في معرض ذم المنافقين، وهي قوله تعالى: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة: 50]، فرحون بسلامتهم وبمصيبة المسلمين، وهذا ينبئ عنه السياق، فالتقييد ظاهر.

يتَّسق هذا الذي ذكرنا مع ما سبق من أن الفرح بذاته لا يتوجه له مدح ولا ذم - باعتباره انفعالاً جبلت النفس عليه - وإنما يكون هذا بالنظر إلى متعلِّقه، فتارةً يكون الفرح محموداً إذا أمر به، وتعلق بأمر شرعي، كالفرح بالإسلام، وتارة أخرى يكون الفرح مذموماً، كفرح المنافقين بمصائب المسلمين، ويكون مباحاً إذا تعلق بأمر دنيوي مباح.

وخلاصة القول: إن الفرح الذي عرض له القرآن الكريم ثلاثة أقسام: فرح محمود، وفرح مذموم، وفرح مباح، وهي الأقسام التي سنعرض لها في ضوء الآيات القرآنية، نكشف عن مقاصدها، ونبين هداياتها في حدود سعة المقام، وإسعاف المقال.

بين يَدَيْ هذه الأقسام أسطر نوجز فيها جانباً من موقف الإسلام من الانفعالات، فقد حرص الإسلام على ضبط الانفعالات بعامة، بعد أن اعترف بها، خلافاً لبعض المدارس الفلسفية التي ترى ضرورة استئصال الانفعالات؛ لأنها أمراض حقيقية، كالمدرسة الرواقية [1، ص15، الهامش]، في حين يرى الإسلام توجيهها؛ توظيفاً لمنافعها، ودفعاً لمضارِّها، وهذا يتلخص في أن يكون الانفعال فيما ينبغي، وبالقدر الذي ينبغي، وعلى الوجه الذي ينبغي، وهذا جماع الاعتدال وعينُه.

هذا الذي ذُكر ليس خاصاً بالفرح، وإنما هو للانفعالات بعامة كما أشرنا، فإن الحزن انفعال، وقد يقتل، وكم من شخص مات غماً وحزناً، وفى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أهل النار - والذي تقدم مثله في أهل الجنة - ما يسوِّغ تقبُّل إمكانية حصوله، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((فلولا أن قضى الله لأهل النار الحياة فيها، لماتوا ترحا))[4].

إذا هُذِّبَ الحزن، سُرِّيَ عن صاحبه، وخُفِّفَ عنه، فقد حزن الرسول - صلى الله عليه وسلم - على موت ابنه إبراهيم، وكان حزنه منضبطاً بالشرع حين قال: ((إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا))[5].

وقد يبلغ الحزن بالمؤمن مداه، ولكنه لا يؤثر على صلته بالله، ولا يخرجه عن الجادَّة، فقد حزن يعقوب - عليه السلام - على يوسف حتى ابيضَّت عيناه من الحزن، ولكنه لم يقطع رجاءه بالله، ولم ييأس من رحمته، وقال - وهو على تلك الحالة من الحزن -: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].

ومثل ذلك الغضب، فهو انفعال كذلك، الإفراط فيه مذموم، ولهذا عَدَّه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الشيطان[6]، وأوصى رجلاً، فقال له مراراً: ((لا تغضب))[7].

والتفريط في الغضب، وانعدامه في النفس - مذمومٌ؛ لأنه لا يبقي فيها حميَّة ولا غَيْرَةً، وحين أمر الله تعالى ملائكة العذاب أن تهلك أهل قرية، أمرها أن تبدأ بعابد من أهل هذه القرية؛ لأن وجهه لم يتمعَّر بسبب انتهاك حرمات الله، ولم يغضب في الله أبداً.

وقد تمثلت الفضيلة بأسمى صورها في سلوك الرسول - صلى الله عليه وسلم - فكان لا يغضب من أجل أمور الدنيا العابرة، فإذا انتُهكت حرمة من حرمات الله، اشتد غضبه[8].

إن بين الفرح - هذا الانفعال الفطري الذي يتساوى الناس في أصله - وبين توجيهات الشرع المكتسبة الواردة في شان الفرح، والانفعالات بعامة، والتي يتفاوت موقف الناس تجاهها، إن بينهما - مسافةً بعيدة، ودرجات عديدة، كافية هذه وتلك لإبراز الفروق بين سلوك الناس في هذا الميدان.

سعى الإسلام - ابتداءً - إلى تصحيح معتقد الناس تجاه ما يجري في هذه الحياة الدنيا، حين أعاد الأمر كله لله تعالى؛ مُلْكاً وخَلْقاً، ومشيئةً وقضاءً، قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد : 22-23].

إن الله تعالى - وهو يربي عباده ويقوِّم سلوكهم - يبين لهم أنه - تعالى – قدَّر مقادير الخلق قبل أن يخلق الأرض، أو قبل أن يخلق النفس، على اختلاف في عود الضمير في قوله تعالى: {نبرأها} [24، جـ5، ص224؛ 3، جـ17، ص257] أهو عائد على الأرض؟ أم على النفس؟، فما في الأرض من قحط، وجدب، وما شابهَ ذلك مما يُلْحق بالنفس الهم والغم، فإنه مقدَّر في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الخلائق بخمسين ألف سنة[9].

وما أصاب النفس من ألم، أو مصيبة، أو نقص في الأموال، وفوات الملذات، فإنه مقدَّر كذلك، وفي ذلك تسلية للمسلمين وتربية [23، جـ27، ص409]، حين علموا أن ذلك مما اقتضاه ارتباط أسباب الحوادث بعضها ببعض، على ما سيَّرها عليه نظام جميع الكائنات في هذا العالم.

إذا علم المؤمن ذلك وآمن به، أيقن أن هذا المقدَّر لا يدفعه تسخُّط، ولا ينجي منه جزع، عندها يضبط انفعالاته بضابط الشرع، سواء فيما اتصل بحزنه كما تقدم، أو في فرحه الذي أشارت إليه بقية الآية بطريق الإيماء [23، ج27، ص186]؛ ذلك أن القرآن الكريم استغنى بذكر المصيبة عن ذكر المسرة من باب الاكتفاء، وبدلالة قوله في الآية نفسها: {وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ}.

وربما كان الاستغناء باعتبار الأصل اللغوي للمصيبة؛ فهي مشتركة في المصيبة والمسرة، فإن أصلها من الرمية، وهي [23، جـ27، ص186] من: أصاب السهم إذا وصل المرمى بالصواب، وقيل: أصلها في الخير من الصوب، وهو المطر، وفي الشر من إصابة السهم.

وأياً ما كان التوجيه، فما يقال في أمر المصيبة المحزنة، يقال في أمر النعمة المفرحة؛ فالمسلم المتَّزن - في ضوء توجيهات الآية السابقة - لا يحزن حزن القانط من رحمة الله، ولا يفرح فرح البطر المنسي لشكر الله.

يقول صاحب "التحرير والتنوير" عند تفسير الآية المتقدمة [13، جـ27، ص411]: "والمعنى أخبرتكم بذلك؛ لتكونوا حكماء بصراء، فتعلموا أن لجميع ذلك أسباباً وعللاً، وأن للعالم نظاماً مرتبطاً بعضه ببعض، وأن الآثار حاصلة عقب مؤثراتها لا محالة، وإنَّ إفضاءَها إليها - بعضُه خارجٌ عن طوق البشر، ومتجاوزٌ حدَّ معالجته ومحاولته، وفعل الفوات مُشْعِرٌ بأن الفائت قد سعى المفوَّت عليه في تحصيله، ثم غلب علي نواله بخروجه عن مكانته، فإذا رسخ في علم أحد، لم يحزن على ما فاته مما لا يستطيع دفعه، ولم يغفل عن ترقُّب زوال ما يَسرُّه، إذا كان مما يسرّه، ومن لم يتخلَّق بخلق الإسلام، يتخبط في الجزع إذا أصابه مصاب، ويستطار خيلاً وتطاولاً إذا ناله أمر محبوب؛ فيخرج عن الحكمة في الحالين".

إن الإسلام بهذا التأصيل - الذي يؤدي إلى الاتِّزان والاعتدال - يكون قد حفظ الضرورات الخمس - الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض - من غلواء الانفعالات وجموحها، ومن ثَمَّ تهذيبها؛ للإفادة من إيجابياتها.

الفرح المحمود:
الفرح - من حيث هو انفعال فطري - يتساوى فيه الناس جميعاً، يُمدح ويُذم بحسب متعلِّقه، ومحله القلب، وما يُفْرح الإنسان أمر مكتسب، وهو محل التباين، ومن هنا تأتي عناية الإسلام؛ لتجعل هذا الفرحَ محموداً.

ومثل الفرح بقية الانفعالات في صلتها بالمدح والذم، فما [36، ص17] حب الدين وكل ما يتعلق به إلا ذاك الحب العادي، الذي يمارسه الناس جميعاً، بيدَ أنه موجَّهٌ إلى حب الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ} [البقرة : 165].

لقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أن الفرح بالإسلام هو أسمى درجات الفرح وأفضلُها، فأمر به وأثاب عليه، وعرَّض بمن أعرض عنه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس : 57-58].

تفضل الله على الناس فأنزل كتاباً كريماً، جعله موعظة بما فيه من تذكير بما ينفع، وتحذير مما يضر، ووصفه بأنه شفاء لما في الصدور من داء وشقاء، لمن وفِّق إلى الإفادة منه، وهو – أيضاً - كتاب هداية، وجالبُ رحمةٍ للمؤمنين.

ولئن تعددت عبارات المفسرين في بيان المراد بفضل الله وبرحمته، والتي أمر الله بالفرح بهما، فإن مدارها واحد، وهي إلى تفسير التنوع أقرب.

في "الكشَّاف" [37، جـ2، ص353]: عن أبيّ بن كعب، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ} [يونس:58]، فقال: بكتاب الله، والإسلامُ فضله، ورحمته ما وعد عليه.

عقَّب عليه أبو حيَّان [24، جـ5، ص169] بقوله: "لو صحَّ هذا الحديث، لم يمكن خلافه".

وعن أنسٍ مرفوعاً: ((أن فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله وأتباعه)). ونُقل القول نفسه عن أبي سعيد موقوفاً، وهو الأصح [38، جـ7، ص87]، وأورد الطبري [38، جـ15، ص ص106-107] هذه الآثار كلها بأسانيدها.

أوضح ابن القيم [5، ص454] كلام أبي سعيد قائلاً: "يريد بذلك أمرين؛ الأول: الفضل في نفسه، والثاني: استعداد المحل لقبوله، كالغيث يقع على الأرض القابلة للنبات، فيتم المقصود بالفضل وقبول المحل له".

"وهذا الذي يقتضيه اللفظ؛ فإن الفضل هو هداية الله التي في القرآن، والرحمة هي التوفيق إلى اتباع الشريعة التي هي الرحمة في الدنيا والآخرة"، قاله صاحب "التحرير" [13، جـ11، ص205] وأصله لصاحب "المحرر" [32، جـ3، ص126].

فَهِم جَمْعٌ من المفسرين أن أسلوب الآية يفيد الحصر، في قوله تعالى: {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ}، فيرى الرازي أن قوله {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} يفيد الحصر [19، جـ17، ص ص123-124]؛ فيجب أن لا يفرح الإنسان إلا بذلك، ثم ساق ستة وجوه؛ لترجيح ما ذهب إليه، وحكم بعدها، قائلا: "فثبت أن الفرح باللذات الجسمانية فرح باطل".

ورد في "تفسير المنار" [ 26، جـ11، ص406] ما يؤكد معنى الاختصاص ويشرحه: "فالتعبير في الآية غاية في البلاغة؛ لما فيه من التأكيد والمبالغة في التقرير؛ فإن أصل المعنى بدونهما: قل ليفرحوا بفضل الله وبرحمته، فأخَّر الأمر وقدَّم متعلِّقة؛ لإفادة الاختصاص، كأنه قال: إن كان في الدنيا شيء يستحق أن يُفرح به؛ فهو فضل الله ورحمته".

بيد أن صاحب "المنار" وإن وافق الرازي وغيره بالقول بإفادة أسلوب الآية للحصر؛ إلا أنه لم يرتضِ توجيه الرازي، الذي جعل الفرح بشيء من أمور الدنيا باطلاً.

وأَدَعُ صاحب المنار يبيِّن وجهة نظره، فيقول [26، جـ11، ص407]: "إن الفرح بفضل الله وبرحمته أفضل وأنفع لهم مما يجمعونه من الذهب والفضة، والخيل المسومة، والأنعام، والحرث، وسائر متاع الدنيا مع فقدهما، لا لأنه سبب سعادة الآخرة الباقية المفضلة على الحياة الدنيا الفانية - كما اشتهر فيما خطته الأقلام ولاكته الألسنة - بل لأنه هو الذي يجمع بين سعادة الدارين، كما حصل بالفعل؛ إذ كانت هدايةُ الإسلام بفضل الله وبرحمته سبباً لما ناله المسلمون في العصور الأولى من الملك الواسع، والمال الكثير، مع الصلاح والإصلاح، والعدل والإحسان، والفوز الكبير، فلما صار جمعُ المال، ومتاع الدنيا، وفرح البطر به هو المقصودَ لهم بالذات، وتركوا هداية الدين في إنفاقه والشكر عليه؛ ذهبت دنياهم من أيديهم إلى أيدي أعدائهم".

إن استحضار الجو العام، الذي نزلت فيه هذه الآيات يُعِين على تفهُّم الآراء المتقدمة - والتي قد تبدو متعارضة - فقد نزلت في العهد المكي، وقد اشتد النزاع بين المسلمين والكفار، وكان عامة المسلمين فقراء ضعفاء، في حين كان الكفار يتفاخرون بكثرة أموالهم ومتاعهم، وأولادهم أيضاً.

لقد ذكر لنا القرآن الكريم نماذج من هؤلاء الكفار المعجبين بما لديهم من متاع، يقول عن الوليد بن المغيرة: {أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [القلم:14-15]، وأنموذج آخر، قال عنه القرآن الكريم: {وَجَمَعَ فَأَوْعَى} [المعارج : 18]، وجمع المال والتفاخر به يصاحبه في العادة فرح.

جاء كلام الرازي - فيما يبدو - في إطار الجو العام الذي نزلت فيه هذه الآيات، فرأى أن هذا الفرح - وهو صفة للكفار - فرحٌ باطل، فأفرده بالذكر، ثم عمم الحكم على من كانت هذه حالَه.

واحتاط الآلوسي لنفسه حين قال [ 23، جـ12، ص112]: "إن الفرح بمتاع الدنيا (لذَاتِه) باطل؛ فقُيِّد"؛ تجنباً للنقد الذي وجِّه لتعميم الرازي.

جاء كلام صاحب "المنار" - راعى الإصلاح الاجتماعي في عصره - متأثراً بالجو العام الذي يعيشه المسلمون اليوم، وكأني به قد رأى في مسلمي هذا العصر بعض صفات مسلمي العهد المكي من الضعف والفقر، ورأى فيهم - أيضاً - بعض صفات مشركي العرب، من الإعراض عن الدين، وعدم الفرح به، فقال مقالته - معاتباً ومذكراً - بأن الفرح بالدنيا والآخرة حصل بالفعل للمسلمين الأُوَل، حين كان تمسكهم بالدين وفرحهم به سبباً لأن تَفْتح عليهم الدنيا أبوابَ نعيمها وزينتها؛ وهذا مبعث فرح وابتهاج.

إن الآيات هدفت أول ما هدفت إلى التنويه بالقيمة العليا لهذا الدين، الذي أخرج مَنْ آمن به من عالم الأموات إلى عالم الأحياء، وجعلهم يدركون أن للحياة معنى أسمى وأعظم مما يتصوره الكافرون الجامعون لمتاعها.

لقد جاءت عبارة "الظلال": [39، جـ3، ص180] عند تفسير هذه الآيات كاشفةً عن شيء من مقاصدها، متضمنةً المعاني السابقة: "فبهذا الفضل الذي آتاه الله عباده، وبهذه الرحمة التي أفاضها عليهم من الإيمان، فبذلك - وحده - فليفرحوا، فهذا هو الذي يستحق الفرح، لا المال، ولا أعراض هذه الحياة، إن ذلك هو الفرح العلوي، الذي يطلق النفس من المطامع الأرضية والأعراض الزائلة، فيجعل هذه الأعراض خادمة لا مخدومة، ويجعل الإنسان فوقها وهو يستمتع بها، لا عبداً خاضعاً لها".

بهذا يظهر الفرح المحمود في أبهى صوره، فرحٌ خالصٌ سامٍ بالإسلام، لا يعدله شيء، يورث صاحبَه حسنَ تقدير للدنيا، فيفرح بها في إطار الاتِّزان الذي تكون فيه الآخرة سيدةً، يَخطب ودَّها، والدنيا تابعةٌ لها.

لقد تحققت هذه المعاني السامية في نفوس المسلمين الأوائل، فهم، وإن كانوا يفرحون بما تفرح به كل نفس سوية؛ كونَ الفرحِ انفعالاً فطرياً جُبِلَتْ عليه النفس - إلا أنهم - ما كانوا يفرحون بشيء أكثر من فرحهم بهذا الدين، ولا قدَّموا عليه شيئاً مما يُفرح به في العادة.

بين أيدينا أطراف من أحاديث، تؤكد استحضار الصحابة الكرام لهذا المعنى على الدوام، وحرصهم على الاحتياط لأنفسهم في عباراتهم في هذا المقام، فهذا أنس بن مالك يقول عن الصحابة، بعد أن سمعوا قول الرسول – صلى الله عليه وسلم - للأعرابي الذي سأله عن الساعة: ((أنت مع من أحببت))، يقول أنس: "فما رأيت فرح المسلمين بعد الإسلام فرحهم أشد مما فرحوا به"[10]، وفى حديث آخر جاء قوله: "فما فرحنا بشيء بعد الإسلام فرحنا بقول النبي – صلى الله عليه وسلم –: ((أنت مع من أحببت))[11]، وعندما بشر الرسول – صلى الله عليه وسلم – أنساً بفضل انتظاره لصلاة العشاء؛ قال: "فما فرحت بعد الإسلام فرحي به"[12].

يدل هذا الاستدراك في كلام أنس: على أن الصحابة ما كانوا يفرحون بشيء - مهما كان يستحق الفرح - أكثر من فرحهم بالإسلام؛ شعوراً منهم بالنقلة الهائلة التي نقلهم الإسلام إليها حين أخرجهم من الظلمات إلى النور.

ذكر المفسرون عند تفسير الآية السابقة: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} محاورةً تسهم في الكشف عن مقاصدها، وعن حسن فهم الصحابة لها:
عن عقبة بن الوليد، عن صفوان بن عمرو، قال: سمعت أَيْفَعَ بنَ عَبْدٍ الكَلاَعِي يقول: لمّا قدم خَرَاج العراق إلى عمر - رضي الله عنه - خرج عمر ومولًى له، فجعل عمر يعد الإبل، فإذا هي أكثر من ذلك، فجعل عمر يقول: "الحمد لله تعالى" ويقول مولاه: "هذا والله من فضل الله ورحمته"، فقال عمر: "كذبت، ليس هذا هو الذي يقول الله تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس : 58] [40، جـ2، ص436].

إن ما جُمع من مال بين يدي عمر صعب عليه إحصاؤه يستدعي الفرح ولا شك، لكنه مهما كان لا يرقى بحال إلى أن يفرح به كفرحه بالإسلام، الذي كان سبباً في هذا الخير، وفى غيره مما يضيق المقام عن ذكره.

الفرح بالقرآن، وبالإسلام، وبالرحمة فرحٌ محمود؛ لأن هذه الأمور {خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}، أي: يجمع الكافرون من متاع وضِيَاع، وهم في غيِّهم سامدون.

وخيرٌ كذلك مما تجمعون أنتم أيها المسلمون، ولعل هذا ما يشير إليه قول عمر - رضي الله عنه - والقراءات الواردة في الآية تحتمل المعنيين، فإن قوله تعالى {يجمعون} قُرئت بالياء على ضمير الغائب، والمقصود بها الكفار، وقرأها جماعة من السلف (تجمعون) بالتاء؛ خطاباً للمسلمين [24، جـ5، ص170].

لم يرتضِ صاحب "التحرير والتنوير" هذا التوجيه، وقال [12, جـ11, ص200]: "لا يناسب جعل الخطاب للمسلمين؛ إذ ليس من شأنهم ما تقدم؛ ولأنه لا يظهر منه معنى التفضيل إلا بالاعتبار؛ لأن المسلمين قد نالوا الفضل والرحمة, فإذا نالوا معهما المال، لم ينتقص ذلك من كمالهم بالفضل والرحمة". وقوله: "إلا بالاعتبار" استدراك جيد، أغنى عن الاستدراك عليه.

لقد سبقت الآيةَ التي تضمنت الأمر بالفرح بالإسلام {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ} آيةٌ أشارت إلى أن هذا الإسلام من عند الله، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}.

إن التنويه بمصدر هذا الفضل, وهو الإسلام - النعمة العظمى - يقتضي أن يكون الفرح به - وبالنعم بعامة - من حيث هي نعم من الله تعالى وتفضُّل منه, لا أن يكون الفرح بالنعم من حيث هي نعم وحسب, والبَوْن شاسع بين التصورَيْن.

لقد تنبه الرازي أكثر من غيره إلى هذا المعنى؛ فقال [19, جـ17, ص124]: "يجب على العاقل أن لا يفرح بها - النعمة - من حيث هي هي؛ بل يجب أن يفرح بها من حيث إنها من الله تعالى, وبفضل الله وبرحمته, فلهذا السبب قال الصديقون: من فرح بنعمة الله من حيث إنها تلك نعمة؛ فهو مشرك, وأما من فرح بنعمة الله من حيث إنها من الله؛ كان فرحه بالله, وذلك هو غاية الكمال ونهاية السعادة".

للفلاسفة [11, ص126] منحى - غير هذا - مخالف, يذهبون فيه إلى أن الفرح بالشيء الجميل إنما يكون لذاته، دونما اعتبار لأي شيء خارجي, ولهذه النظرة سلبيات سنورد بعضها عند الحديث عن آثار الفرح المذموم.

إن الربط بين النعمة والمنعِم، واستحضار هذا المعنى عند الفرح المحمود، الذي يكون بالإسلام وما يتصل به - يجعل لهذا الفرح آثاراً إيجابية, نذكر أهمها بإيجاز؛ إتماماً للمعنى:
1- إن الفرح بالإسلام يقتضي الفرح بمن أنزله، وتفضَّل به على خلقه, ولهذا يفرح المسلمون بالله, وتطمئن قلوبهم بذكره وتأنس.

ويفرح المسلمون أيضاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي حمل لهم الإسلام من الله, ففي البخاري من حديث البَرَاء بن عَازِب عن الهجرة، قوله: "ثم جاء رسول الله، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به"[13].

2- يحمد المسلمون الله تعالي؛ لأنه أنعم عليهم بما يُفرحهم, والله تعالي يحب المدح والحمد, روي البخاري: ((لا شيء أحب إليه المدح من الله))[14], فيثاب المسلمون على فرحهم، ويثابون على حمدهم لله.

3- رضا المسلم بما رضي الله له, والرضا من ثمرات الفرح؛ لأن الفرح بالشيء فوق الرضا به, فإن الرضا [5, ص456] طمأنينة وسكون وانشراح, والفرح لذة وبهجة وسرور, فكل فَرِحٍ راضٍ، وليس كلُّ راضٍ فَرِحاً, والرضا عند علماء النفس [1, ص113] أعذب أنواع الفرح.

4- الفرح بالدين يعني: الحرص على الامتثال لما جاء به وتعظيمه؛ قال ابن القيم [5, ص ص 455-456]: "الفرح بالعلم والإيمان والسُنَّة دليل على تعظيمه عند صاحبه, ومحبته له, وإيثاره له على غيره, فإن فرح العبد بالشيء - عند حصوله له - على قَدْر محبته له ورغبته فيه, فمَنْ ليس له رغبة في الشيء، لا يفرحه حصوله له, ولا يحزنه فواته؛ فالفرح تابع للمحبة والرغبة".

5- الفرح بالشيء يعدُّ سبباً مباشراً للحرص عليه؛ لأن الفرح كونه انفعالاً [1, ص25] يقوي الأفكار، ويطيل بقاءها في النفس، والدفاع عنه, والانشغال به, والتضحية من أجله, وقد تمثّلت هذه المعاني كلها في سيرة الصحابة الكرام.

يناسب الحديث عن الآثار والثمار الحديث عن فرح أهل الكتاب بالإسلام, وهو الفرح الذي أشار إليه قول الله تعالي: {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [الرعد: 36].

والخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - فظاهر الآية يفيد أن أهل الكتاب من اليهود والنصارى يفرحون بالقرآن والإسلام, فمَن المقصود بأهل الكتاب في هذا المقام؟ وهل هذا الفرح على حقيقته؟ وهل له آثار وثمار؟

أسئلة نسعى للإجابة عنها بما يتسع له المقام, وذلك بإيجاز أقوال المفسرين في هذه الآية.

يرى بعض المفسرين [38, جـ16, ص474؛ 3, جـ9, ص325؛ 23، جـ13, ص 166] أن المراد بأهل الكتاب - الوارد ذكرهم في الآية - مَن أسلم منهم, كعبدالله بن سلام - رضي الله عنه- قال ابن سعدي في "تفسيره" [41, جـ2 , ص342]: "الشهادة والفرح إذا أضيف إلى طائفة أو أهل مذهب، فإنما يتناول العدول والصادقين منهم؛ لأن الفرح دليل الصدق والإيمان, فكان هذا ممن آمنوا".

وعلى هذا التفسير تكون الآية موافقةً في هديها للآية التي نحن بصدد الحديث عنها, والتي تضمنت الأمر للمسلمين بالفرح {فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ}, وتكون تسمية عبدالله بن سلام وأمثاله ممن أسلموا بأهل الكتاب باعتبار ما كان, وفيه تعريض بكفار قريش العرب، الذي أحجموا عن الإسلام، وأقبل عليه بعض اليهود والنصارى.

ولا يعكر هذا التفسيرَ كونُ السورةِ مكيةً؛ فإن مجيء آيات مدنية في سور مكية - والعكس - أمر لا تناكر فيه.

القول الثاني: إن المراد بهم اليهود والنصارى [32, جـ8, ص179]، وذلك أنهم لهم فرح بما ينزل على محمد - صلى الله عليه وسل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://khemies.ahlamontada.com
 
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع
» دراسة حول الأقاليم النباتية في الجزائر
» سوريا الله حاميها
» دراسة تقول ان كنت مريض نفسيا عالج نفسك بالانترنت
» ما هي علامات حب الله للعبد ؟ . وكيف يكون العبد على يقين تام بأن الله جل وعلا يحبه وعلى رضا تام لهذا العبد ؟.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة :: مـنـتـدى أمـتــى العـربية والإسلاميـة المجيدة :: المـنـتـدى الـعـــام-
انتقل الى: