مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة
زوارنا الكرام ألف تحية وألف السلام: المنتدى منكم وإليكم يتشرف بزيارتكم وانتسابكم, وبدعوكم للمساهمة الجادة والهادفة لخلق فضاء ثقافي وإبداعي قي سماء أمتنا العربية المجيدة
مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة
زوارنا الكرام ألف تحية وألف السلام: المنتدى منكم وإليكم يتشرف بزيارتكم وانتسابكم, وبدعوكم للمساهمة الجادة والهادفة لخلق فضاء ثقافي وإبداعي قي سماء أمتنا العربية المجيدة
مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة

منتدى الوفاء للكلمة الحرة, ;ولـغـة الـضـاد-, وفتح الآفاق للمشاعـر الإنسانية الصادقـة, التي تتمرد عـلى كل العوائق وتتسلل بين الرقائق كي تنشر تلك البوارق.
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  
أخي العربي , أختي العربية, هاهي أمتنا العربية تدعونا للنفير من أجل الخلاص, الخلاص من الردجعية والعمالة , من أجل عالم عربي نظيف خال من الاستعمار والمهانة, فهيا بنا نشحذ الهمم ونركب القمم
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
المواضيع الأخيرة
» انتربول المغرب استخدم مذكرة بحث ملغاه ومزورة للقبض على الملياردير الهاشمى
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1الإثنين 7 أبريل 2014 - 18:02 من طرف نارينا

» حركة شحنة في مجال مغناطيسي
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1الإثنين 24 مارس 2014 - 12:59 من طرف المدير

» فيزياء للأولى ثانوي توصيل المكثفات على التوازي
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1الإثنين 24 مارس 2014 - 12:53 من طرف المدير

» يألم الأحرار سب رسول الله ظهرا
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1الأربعاء 5 مارس 2014 - 13:37 من طرف المدير

»  الإخوان الشياطين يكشفون عن وجههم الحقيقي ويستعدون لخلط الأوراق في سورية
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1الأحد 16 يونيو 2013 - 14:30 من طرف المدير

» من روائع الشاعر الثوري أحمد مطر كتبها اعتذارا للنبي صلى الله عليه و سلم
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1الأحد 7 أبريل 2013 - 16:52 من طرف المدير

» طبيب صهيوني يغتصب مجندات إسرائيليات
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1السبت 2 مارس 2013 - 19:26 من طرف المدير

» لن تهزم سورية ***ولن ينتصر الإرهـــاب
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1السبت 2 مارس 2013 - 19:16 من طرف المدير

» الحريري بين اليوم والأمس..!
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1السبت 2 مارس 2013 - 19:05 من طرف المدير

ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
منتدى
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
منتدى
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية
تسجيل صفحاتك المفضلة في مواقع خارجية reddit      

قم بحفض و مشاطرة الرابط مــنـتـدى الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة على موقع حفض الصفحات

قم بحفض و مشاطرة الرابط مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة على موقع حفض الصفحات
التبادل الاعلاني
احداث منتدى مجاني
ازرار التصفُّح
 البوابة
 الصفحة الرئيسية
 قائمة الاعضاء
 البيانات الشخصية
 س .و .ج
 ابحـث

 

 دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير
مدير المنتدى
المدير


عدد المساهمات : 634
تاريخ التسجيل : 22/02/2010
العمر : 53
الموقع : KHEMIES.AHLAMONTADA.COM

دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Empty
مُساهمةموضوع: دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع   دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع Icon_minitime1الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 20:10

لقد ذكر القرآن الكريم فرح الشهداء، وهم أولئك الذين فرحوا بالإسلام في الدنيا؛ فهانت عليهم أرواحهم في سبيله؛ فماتوا من أجله؛ فامتد فرحهم في الآخرة؛ يقول الله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [آل عمران : 169-170].

إنه فرح متميز لفئة مخصوصة بالتكريم, تفرح عند ربها فرحاً يليق بهم في مقامهم ذاك, وقد أومأت السُّنَّة إلى بعض مظاهره، حين ذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر في الجنة، تروح وتغدو أينما شاءت، تتمتع بنعيم الجنة, يفرحون بما آلت إليه حالهم بفضل الله تعالى, ويستبشرون بما ستؤول إليه أحوال إخوانهم الذين يطمعون أن يرزقوا الشهادة، وينتظرون اللحوق بإخوانهم.

إن فرح المؤمن بلقاء الله يفوق الوصف, حين يقال له: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر : 27-30] [24, ص 399] فلو لم يكن إلا هذه الفرحة وحدها، لكان العقل يأمر بإيثارها، فكيف ومن بعدها أنواعٌ من الفرح؟.

ذكر ابن القيم [28, ص399] منها: "حين يلقى المؤمن أهله وأصحابه، فيفرحون به ويفرح بهم، فرحَ الغائب يقدم على أهله, وهذا كله قبل الفرح الأكبر، يوم حشر الأجساد، بجلوسه في ظل العرش، وشربه من الحوض".

بعد ذلك فرحٌ آخر لا يقدَّر قدره, ولا يعبَّر عنه, تتلاشى هذه الأفراح كلها عنده, إنه الفرح برؤية وجه الله تبارك وتعالى.

إن هذا الفرح المحمود بذاته, والطيب بآثاره, والمُثاب صاحبه، تخلو صوره كلها - ما ذكرنا منها وما لم نذكر - من المكدرات والشوائب [43, ص347]، ومن المزاحمات, أبوابها متسعة للمتواردين عليها, فلا شحناء بينهم ولا تحاسد.

فرح الدنيا - المذموم منه والمباح - مزدحمة أبوابه، كثيرة شوائبه, كلٌّ يضيق بصاحبه, وحسبنا هذا المثال الحسي الذي يختصر البيان, فإن أماكن العبادة كثيراً ما تزدحم، حتى لا يجد المرء فيها موضع قدم, ورغم هذا لا يسعه أمام هذا المشهد إلا أن يقول: ما شاء الله، وهو يشعر بسعادة وانشراح في الصدر، قد لا يتفطَّن له في تلك اللحظات, ولا يجد في نفسه شيئاً على الذين سبقوه إلى هذه الأماكن أو زاحموه عليها.

لو وقف الشخص نفسه في مكان، فيه من متع الدنيا وزينتها ما يبعث الفرح في النفوس, ثم زاحمه عدد من الأشخاص - لَشَعَرَ بشيء من التذمر والكدر.

إن في الفرح المحمود - بكل صوره - سرّاً, وله حلاوة حق لمن تذوقها ألا يلقي بالاً لغيرها, وحق لهذا الفرح المحمود أن يكون أسمى أقسام الفرح وأكملها.

الفرح المذموم:
ذكرنا - سابقاً -: أنه ما من إنسان إلا وهو يفرح ويحزن, فإذا وجّه الفرح إلى شيء محمود، صرف القلب عن ضده, وشغل عنه, وإلا وجد الفرح المذموم إلى القلب سبيلاً, بخاصة إذا كان في القلب مرض شبهة أو مرض شهوة.

عرض القرآن الكريم إلى الفرح المذموم, فذكر منه صوراً، أسندها إلى طوائف صدروا عنها في كثير من تصرفاتهم, وكان لهذا الفرح المذموم أسبابُه ودوافعه ابتداءً، ثم آثاره لاحقاً.

المتأمل في الآيات - التي تحدثت عن هذا الفرح - يجد المتلبسين به هم اليهودَ والمنافقين والكافرين والمترفين, ولعل من المناسب الحديث عن صور هذا الفرح من خلال هذه الطوائف:

اليهود والفرح المذموم:
إن الكذب جريمة أخلاقية, توجب على من وقعت منه أن يتوارى خجلاً, لكن أن يصبح الكذب مبعثَ فرح في النفوس، ويطلب مَنْ صدر منهم هذا الكذب الحمد والثناء عليه, فهذا ما لا يُتَصَوّر إلا من أناس، نفوسُهم خسيسة, وأغراضهم رخيصة, واليهود أَوْلى الناس بهذه الصفات، وهم من تمثّلت بهم, قال تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 188].

كان اليهود يخالطون الرسول - صلى الله عليه وسلم - في المدينة أحياناً, وحدث مرة أن سألهم الرسول – صلى الله عليه وسلم - سؤالَ اختبارٍ وكشفِ نيّاتٍ, فكذبوا عليه، ثم فرحوا بهذا الكذب, ثم أشعروا الرسول – صلى الله عليه وسلم - أنهم يستحقون منه المدح والثناء على تجاوبهم.

أنزل الله تعالى هذه الآية، وضمَّنها وعيداً وتهديداً لهؤلاء اليهود؛ على فرحهم المذموم الذي أبدوه، وعلى الحمد الذي طلبوه.

قرأ هذه الآية مروان بن الحكم، وكان قد غفل عن سبب نزولها؛ فالتبس عليه معناها, ورأى أن فيها وعيداً وتهديداً لمن يفرح ويحب الثناء, وعلى هذا لن ينجو أحد من العذاب؛ فكل الناس يفرحون كما ذكرنا.

روى البخاري ومسلم[15]: "أن مروان بن الحكم، قال لبوَّابه: اذهب - يا رافعُ - إلى ابن عباس، فقل: لئن كان كل امرئ فَرِحَ بما أُتِيَ, وأحبَّ أن يُحْمد بما لم يفعل معذباً، لنُعَذَّبنَّ أجمعون!! أجاب ابن عباس: ما لكم ولهذه, إنما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يهوداً، فسألهم عن شيء، فأخبروه بغيره, فأَرَوْهُ أنهم قد استحمدوا إليه بما أخبروه, وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم".

جاءت هذه الآية تُشَنِّع على اليهود فرحَهم المذموم, وحرصهم المحموم على الثناء بالكذب والخداع, فهي فيهم، وفي كل مَنْ سلك مسلكهم من الناس؛ لاتحاد جنسِ الحكم والعلةِ فيه؛ فإنه لا ينجو من وعيدها [13, جـ4, ص194] من يفعل الشر والخسة، ثم لا يقف عند حد الانكسار لما فعل، أو تطلب الستر على شنعته؛ بل يرتقي، فيترقب ثناء الناس على سوء صنعه، ويتطلب المحمدة عليه.

كشفت هذه الآية عن الصلة بين الكذب والفرح المذموم, فكل صفة تغري بالأخرى, وقد توعد الرسول - صلى الله عليه وسلم - مَنْ يكذب؛ من أجل أن يُضحك الناس، ويُدخل الفرح إلى قلوبهم[16]، فالكاذب يفرح؛ لأنه استطاع أن يُضحك الناس, وهم يضحكون ويفرحون بما يسمعون.

المنافقون والفرح المذموم:
ليس يصعُب - إدراكُ الصلة الوثيقة بين المنافقين واليهود؛ فإن اليهود احتضنوا بِذْرة النفاق ورعَوها، وكان منهم منافقون.

إن الكذب أبرزُ صفة في المنافقين، وهو الذي يميزهم عن أهل الكفر الصريح, وكان عندهم منهجَ حياة؛ فلا غرو أن يكون أولُ وعيدٍ للمنافقين على كذبهم: {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة : 10].

يمكن - في ضوء ما ذكرنا - تفهُّمُ ما رواه البخاري ومسلم أيضاً[17]، عن أبي سعيد الخدري: ((أن رجالاً من المنافقين في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا إذا خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الغزو، تخلفوا عنه، وفرحوا بمقعدهم خلاف رسول الله, فإذا قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الغزو اعتذروا إليه, وحلفوا وأحبوا أن يحمدوا بما لم يفعلوا, فنزلت: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} [آل عمران:188].

لا يبعد في ضوء هدايات سورة آل عمران, وهي التي تتحدث عن اليهود والمنافقين, وفيها وردت الآية موضع البحث, لا يبعد أن يراد بها المنافقون أيضاً، إضافةً إلى اليهود، الذين كانوا قدوة للمنافقين في شنائعهم, وعبارات السلف في شأن أسباب النزول تستوعب ما ذكرنا.

ثمَّةَ آياتٌ صريحةٌ في الحديث عن فرح المنافقين المذموم, والذي ظهر منهم في تخلفهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة:81].

تخلف المنافقون عن مشاركة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام في الخروج للغزو, ثم جاؤوا يعتذرون, فأعذرهم الرسول – صلى الله عليه وسلم - إهمالاً لهم، وتقليلاً من شأنهم, ففرحوا حينئذٍ بعدم الخروج، وفرحوا بإعذار الرسول – صلى الله عليه وسلم - لهم.

كشف هذا الفرح عن كذب المنافقين, وكشف كذلك عن كراهيتهم لهذا الدين؛ إذ لو كان في قلوبهم إيمان، لبكوا بسبب تخلفهم عن الغزو مع الرسول – صلى الله عليه وسلم - كما حصل لذاك النفر: {إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [التوبة:92].

إن البكاء من هؤلاء بسبب عدم الخروج علامةُ صدق وإيمان، كما كان الفرحُ من أولئك للسبب نفسه - وهو عدم الخروج - علامةَ كفر ونفاق, وقد توعدهم الله تعالى: {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [التوبة : 82], والضحك هنا كناية عن الفرح, أو أريد ضحكهم فرحاً؛ لاعتقادهم ترويج حيلتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم.

جمع المنافقون إلى الفرح - الدال على الجبن, والحرص على السلامة مهما كان الثمن - الشماتةَ، وهي لا تنفك عن الفرح المذموم؛ فإن الشماتة - كما قرر علماء النفس [1, ص194] -: الفرح بشرٍّ ينال الغير، ولا تصدر عن فاضل قط.

يفرح المنافقون، إذا مسَّ المسلمين قَرْح, أو نزلت بهم نكسة, وتبدو عليهم مظاهر الإعجاب؛ لأنهم احتاطوا لأنفسهم، فنجوا وأصيب غيرهم: {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة:50].

بئس الفرح هذا الممزوج بالعُجْب والشماتة, والذي ينم عن عدم إيمان بالقضاء والقدر, وعن حقد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحبه الكرام, وعن تمني الهلاك لهم, وكلُّ هذه القبائح كشف عنها الفرح المذموم في هذه المواطن.

وقد أظهر اليهود كذلك الفرح بمصائب المسلمين, ذكر هذا القرآن الكريم في سياق حديثه عن قبائح أهل الكتاب: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} [آل عمران:120].

إنَّ تشابُهَ المشاعر بين اليهود والمنافقين ليس بمستغرب؛ فالكفر ملة واحدة, فقد قرر القرآن الكريم أن الطائفتين تفرحان بمصاب المسلمين, وليس ببعيد عنا فرحُ كفار قريش بانتصار الفرس على الروم، مع أنه لم تكن هناك مودة[18] أو تعاون بينهما.

إن ضحكةً متبادلةً, أو فرحةً مشتركةً كفيلةٌ بأن تكشف المحبة القائمة بين أعداء الإسلام, والقواسم المشتركة في عداوة الجميع لهذا الدين وأهله, فحَرِيٌّ بالمسلمين أن يجمعهم الفرح المحمود وميادينه، كما جمع الفرح المذموم أعداءهم.

الكافرون والفرح المذموم:
أبرز ما يُلْحظ في حديث القرآن الكريم عن فرح الكافر: أنه فرح غير متَّزن؛ لأن الكافر زائغ القلب, ليس لانفعالاته ضابط من شرع, أو موجِّه من دين؛ فهو لا يؤمن بشيء من ذلك, ولا يرفع به رأساً, أو يدفع به بأساً, ولهذا أُوكِلَ إلى نفسه, فظهر عدم اتزانه, بخلاف المؤمن كما سبق بيان هذا.

عرض القرآن الكريم لهذا الاضطراب في فرح الكافرين في أكثر من آية, منها قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ} [هود : 9-10] وعلى الرغم من الاختلاف القائم بين المفسرين في تعيين المراد بالإنسان في هذه الآية, وفي مثيلاتها كقوله تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم : 36], وقوله تعالى أيضاً: {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ} [الشورى : 48].

أقول: على الرغم من هذا الاختلاف[19]، فإن الكافر يدخل فيها دخولاً أوّلياً, فإن أريد هنا جنس الإنسان بعامةٍ - باعتبار أنه جُبِل على عدم الاتزان, وهو قول كثير من المفسرين، كالطبري والخطيب [38, جـ 7, ص 6؛ 44, جـ25, ص 84] - فإن الكافر أبرز أفراد النوع الإنساني في هذا المجال؛ لأن هذا الخُلُق - وهو عدم التوازن [12, جـ25, ص ص 34-135] لا يزيله إلا الإسلام؛ فالذين لم يسلموا باقون عليه.

وإن أريد بالإنسان في هذه الآيات الكافر بخاصة - وهو ما ذهب إليه جمع من المفسرين، كالقرطبي [3, جـ9, ص10] - فقولٌ ظاهر ويؤيده السياق, حيث وُصف الإنسان في الآيتين بأنه كفور, وهو وصف خاص, وقد يعكر صفو هذا القول أن وصف الكفور يشمل الكفر بالله وكفران النعمة, والإنسان بعامة متلبِّس بالوصف الثاني, وإن كان مجيء وصف كفور على صيغة المبالغة يؤيد التوجه الثاني، وعلى كلٍّ؛ فإن الكفر بالله وكفران النعمة بينهما تلازم في أغلب الحالات.

لقد كان لعدم توازن الكافر في انفعالاته مظاهر وآثار منها: أن فرحه محصور في الدنيا, ولا يلتفت إلى نداء الآخرة. يقول الله تعالى: {وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } [الرعد:26].

إن في الدنيا أشياء مفرحة تغري بالإنسان، ويبشُّ لها؛ ولكنها قليلة زائلة, يخالطها الكدر والشوائب, وهي لا شيء إذا ما قيست بما في الآخرة من نعيم مقيم يُفرح, وقد أومأت الآية إلى هذا المعنى, وتقدم قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا أن كتب الله الخلود على أهل الجنة، لماتوا فرحاً)).

إن فرح الكافر قاصر مذموم, حين حصره في الدنيا على حساب الآخرة, وما نعيم الدنيا إلا مجرد ذوق, كما أشارت الآيتان السابقتان {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ} [23, جـ22, ص15]، وأصل الذوق: أخذ شيء يسير للمعاينة فقط, ولا شك أن نعيم الدنيا كله لا يعدو أن يكون ذوقاً بالنسبة لنعيم الآخرة.

إن فرح الكافر بهذا الذوق، وقناعته به مؤشرٌ على دنوِّ همَّته, وضيق أفقه, فقد رضي أن يكون حظُّه من النعيم هذا الذوقَ وحسب, بخلاف المؤمن؛ لما ذاق فأُعْجِب, تعلقت همَّته بالآخرة محل النعيم المقيم؛ فصار الذوق للمؤمن وسيلة؛ لأنه يسعى إلى سعادة عظمى, والكافر لا يرجو بعد الدنيا سعادةً ولا فرحاً؛ فصار ما في الدنيا غاية عنده.

في قصة سليمان - عليه السلام - مع ملكة سبأ, صورتان متقابلتان لفرح المؤمن وفرح الكافر: لقد فرح أهل سبأ بهديتهم التي حُملت إلى سليمان, وهي شيء تافه إذا ما قيست حتى بنعيم الدنيا, وقد ظنوا أن نبي الله سليمان سيفرح بالهدية كما فرحوا: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاء سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل:35-36].

أجابهم سليمان بكل استعلاء: أنتم وحدكم الذين تفرحون بمثل هذه التوافه, أما نحن، فإنَّا نفرح بما آتانا الله من إيمان؛ فهو مصدر الفرح الحق.

وثمَّةَ وجهٌ آخر مذموم في فرح الكافر, وهو أنه يفرح بالنعمة من حيث هي نعمة، دونما التفات إلى مصدرها؛ فهو فرح يتعلق بالنعمة نفسها, وليس لكونها من الله تعالى: {وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا}, {وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا} وحدها.

ذكر الرازي [19, جـ25, ص108] مثالا حسيّاً قرَّب به هذا المعنى، فقال: "لو أن ملكاً وضع أمام أحد الأمراء رغيفاً, أو أمر الخادم أن يضع أمام هذا الأمير زبدية طعام؛ فإن الأمير يفرح بهذا، ولو قدم الملك إلى فقيرٍ رغيفاً, أو زبدية طعام غير ملتفت إليه؛ فإن الفقير يفرح, لكن فرح الأمير يكون بهذا الشيء اليسير من يد الملك, أو بأمره, أما فرح الفقير الغافل، فإنه يكون بالرغيف والزبدية, وشتَّان بين الفرحَيْن, مع أن ما فرحا به شيء واحد".

إن الفرق ظاهر بين حال الكافر في فرحه وحال المؤمن، فارتباط فرح الكافر بالنعمة ذاتها يفسر عدم توازنه؛ لأنه يفرح بها فرح البَطَر إذا أقبلت, ويحزن حزناً شديداً إذا فقدها؛ لافتقاره للضابط المكتسب، الذي يكبح جماع انفعالاته.

أما المؤمن، فإنه حين ترتبط النعمة عنده بالله تعالى؛ فإنه يفرح بها فرح المقرِّ بفضل الله الوهاب لها, فلا يبطر؛ لأن المعطي فوقه يرقب فعله, وإن نزعت منه النعمة, أو فاته الحصول عليها يصبر؛ لاعتقاده أن ما حصل كان بقضاء الله وقدره, وقد تعود إليه, ويظفر بها مرة أخرى ما دام أمرها بيد الله تعالى.

هذا التوازن هو الذي يفتقر إليه الكافر؛ إعجاباً منه بما هو عليه, وتجاهلاً لأي صوت آخر؛ ولهذا كان فرحه فيما لا ينبغي, وعلى الوجه الذي لا ينبغي.

إن هذا المسلك الذي ارتضاه الكافرون أغرى بهم, فجعلهم يُعْرِضون عن دعوة الرسل فرحاً بما عندهم وقناعةً به, وزهداً بما وراءه، {فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون } [غافر : 83].

إنها مجموعة من التصورات والأوهام، ظنها الكافرون علماً يرسم لهم منهج حياة؛ ففرحوا بها، إعجاباً وإيماناً؛ فأدَّى هذا إلى الاستهزاء بما عداها، حتى لو جاءت به الرسل.

هذا هو الفرح المذموم بعينه, حين يؤدي إلى الكفر بالحق، والإعراض عنه، والازدراء بمَنْ جاء به؛ فيحرم هذا الفرح الكافرينَ من خير الدنيا بهذا الإعراض, ومن نعيم الآخرة.

إن هذه الأوهام، التي يفرح بها الكافرون متنوعةٌ ومتعددة, فقد تكون عقائدَ جاهلية متوارثة، ظنها أهلها شيئاً, وربما تكون بقايا دين محرَّف, وقد تكون مبادئ بشرية, ونُظُماً وضعية, لكنها - ورغم الاختلاف بينها - يجمعها أنها مبعث فرح في نفوس أصحابها, وفيهم يقول الله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [المؤمنون:53].

ويلحظ في الآية المتقدمة قوله تعالى:{فَرِحُوا بما عِنْدَهُمْ}، وفي الآية الثانية {بِمَا لَدَيهم فرحون}، فهذا الذي يفرحون به من بدعهم هم, أو مما توارثوه واعتادوا عليه, وهو لا يغني من الحق شيئا، أما المؤمنون فإنهم يفرحون بما جاءهم من عند الله؛ فهو الرحمة والشفاء.

ناسب أن يأتي بعدُ قولُه تعالى: {فَذَرْهُمْ في غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون:54] [13, جـ18, ص ص 73- 74], وذلك تمثيل لحال اشتغالهم بما هم فيه من الازدهار وترف العيش, عن التدبر فيما يدعوهم إليه الرسول – صلى الله عليه وسلم - لينجيهم من العقاب بحال قوم غمرهم الماء, فأوشكوا على الغرق, وهو يحسبون أنهم يسبحون.

ويظل الفرح المذموم صارفاً لهؤلاء عن الجادة, في الحياة الدنيا، حتى تأتيهم آجالهم، وهم على حالهم, ثم يوم القيامة تتكشَّف لهم الحقائق، فيعلمون أن فرحهم أوردهم النار: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ*إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَينَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ*مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ * ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ * ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } [غافر70-76].

ذلكم العذاب, الذي ورد في الآيات طرفٌ منه بسبب الفرح في الدنيا بغير الحق, وفي هذا إيماء إلى أن الذم متوجه إلى كون الفرح بغير الحق, لا إلى مطلق الفرح, وقد سبقت الإشارة إلى هذا المعنى بشيء من التفصيل.

من مظاهر فرح الكافرين في الدنيا ما صاحَبَه من مرح - ذكرته الآية - وكان إلى جانب الفرح سبباً لما هم فيه من عذاب, والمرح هو: الترجمة الحسية للفرح الباطل كالضحك, والإعراض, والسخرية بالفئة الْمُتَدَيّنة, والتطاول على الناس, وتتبع الملذات من مأكل ومركب, والإعجاب بهذا وأمثاله, والرضا عنه, والحرص عليه؛ فاجتمع في الكافرين فرح القلب ومرح الجوارح، وكلاهما على غير هدى.

إنها أبواب من التِّيهِ والخسران, فُتحت على الكافرين في الدنيا والآخرة, كان مفتاحها الفرحَ الباطل المذموم.

فرح المترفين:
عند الحديث عن فرح المترفين - الحال والمآل - لا نجد أوضح مثالاً من قارون، وقصتُه عَرَض لها القرآن الكريم بشيء من التفصيل؛ لما فيها من عبر وآيات.

إن ترف قارون ومرحه جعله أنموذجاً لكل الأصناف، التي صدرت منها صور من الفرح المذموم؛ فقارون من اليهود الذين عُرف عنهم حب المال وعبادته, وتقديم الفرح به على كل شيء.

أظهر قارون النفاق أيضاً, نقل القرطبي [3, جـ13, ص113] عن قتادة قوله: "كان قارون قد قطع البحر مع موسى, وكان يسمى "المنوِّر"؛ من حسن صوته في التوراة, ولكن عدو الله نافق كما نافق السامري".

وفي القرآن الكريم أكثر من إشارة إلى كفر قارون, منها قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ * إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } [غافر:23-24]، كُفْرُ قارون عند القاسمي المفسِّرِ ظاهرٌ، لا إشكالَ فيه؛ لأنه في نَظَره من القبط قومِ فرعون, جاء في تفسيره [45, جـ13, ص4725]: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَومِ مُوسَى} [القصص:76]: "مِن شاكلتهم في الكفر والطغيان, وقومُ موسى جماعته الذين أرسل إليهم، وهم القبط"، وسياق الآيات التي تتحدث عن قارون تأبى ما ذهب إليه القاسمي؛ فإن السياق يشير إلى أن قارون من بني إسرائيل.

قد يبدو من خلال المحاورة بين قارون وقومه أنه كان مؤمناً، كقولهم له: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77] إلى غير هذا من إيحاءات.

ليس فيما ذكر تعارض, فالذي يظهر - والله أعلم - أن قارون تنقل - بسبب فرحه ومرحه - من حالة إلى أخرى أسوأ منها, وهذا من آثار الفرح المذموم، الذي يستدرج صاحبه، ويُغري به حتى يورده النار.

إن قارون كان من بني إسرائيل, قومِ موسى, فآتاه الله تعالى مالاً كثيراً, فرح به فرحاً جعله يتجاوز الحد, فتطاول على قومه, وأعرض عن الاعتراف بفضل الله, وتجاهل الحقوق الواجبة عليه, فاستحق بذلك ما استحق.

هذا التوجيه أوْلى بالصواب من قول الخطيب [44, جـ2, ص383]: "إن قارون بغى على قومه، وانحاز إلى فرعون, فاستدرجه الله تعالى بأن آتاه مالاً كثيراً, فلمّا فُتِن به وفرح، أهلكه الله".

وقد شجع الخطيب وغيرَه على هذا الفهم تقديمُ البغي على الإيتاء؛ مما يومئ بأن البغي سابق: {إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ} [القصص:76]، بيدَ أن تقديم البغي في الآية لا يعني تقدُّمَه في الوجود على الإيتاء, وإنما قُدّم البغي؛ لأنه الوصف الذي توجه إليه الذم, وكان سبباً في هلاك قارون, فكان مناسباً أن يقدم؛ لإبرازه والعناية به؛ إذ الفرح بالإيتاء من حيث هو أمر مباح، إذا شكر صاحبه واعترف بالفضل, وإن نشأ عنه بغي، كان عاقبة صاحبه كعاقبة قارون.

آتى الله تعالى قارون مالاً, ففرح وبغى, فانقسم قومه تجاه مسلكه إلى فئتين:
الأولى: كانت الفئةَ المؤمنة، التي لا تشغلها زخارف الدنيا ولا الفرح بها عن القيم العليا والدار الآخرة, فانبرت هذه الفئة إلى قارون ومن فُتِن به واعظةً ومحذرة: {لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ}، {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:77]، والفَرِح بكسر الراء: مَن أكثر من الفرَح، وتخلَّق به على الدوام [32, جـ2, ص 299 بتصرف], حتى يصير خُلُقاً فيه, فينقلب من انفعال نفسي معفوٍّ عنه إلى صفة مذمومة بآثارها.

فرّق بعض العلماء - كالفراء [46, جـ2,ص 311] - بين الفرِح والفارح بما يدل على أن الفرِح أكثر تلبُّساً في الفعل, فهو صفة مبالغة [44, جـ2, ص385], ونقل الآلوسي [23,جـ19, ص 112؛ 24, جـ7, ص 133] عن عيسى بن سليمان الحجازي أنه قرأ (الفارحين) بالألف؛ مما يدل على أن للتفريق أصلاً معتبراً.

إن عامة المفسرين، وإن لم يشيروا إلى هذا الفرق, إلا أنهم فسروا لفظة "الفرِح" في الآية بما يتسق مع التفريق المتقدم.

ذكر الطبري [38, جـ20,ص 70] عن ابن عباس: "الفرحين: المرحين", وعن مجاهد: "المتبذخين، الأشرين، البطرين", وعند القرطبي [3, جـ31, ص413] عن مجاهد: "الباغين", وعن ابن بحر: "لا تبخل؛ إن الله لا يحب الباخلين", وعن بشر بن عبد الله: "لا تفرح: لا تفسد".

إن موعظة القوم لقارون كانت معتدلةً متزنة, فإنه لم يُنْهَ عن الفرح المعتدل، الذي لا يُنسي الشكر, وإنما وُجّه النهي إلى الفرح المبالغ فيه، والذي يُفضي إلى الفساد والبطر, وهو ما عبر عنه المفسرون بعبارات متنوعة.

إن هذا المعنى ينتظم مع التوجه العام للقرآن في حديثه عن الفرح, حين لم يذمَّ القرآن الفرح لذاته؛ وإنما لمتعلقه، كما هو الشأن في قصة قارون.

إن قارون لم يبتغ فيما آتاه الله الدار الآخرة, وإنما كان همه الدنيا فقط, ولم يحسن إلى الناس كما أحسن الله إليه, ودفعه فرحه المذموم إلى البخل, فوعظه قومه في هذه الأمور؛ لكنه لم يُلقِ لهم بالاً, وحمله فرحه إلى العُجْب بنفسه {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي}[القصص:78].

الثانية: الفئة المفتونة: كانت الموعظة من الفئة المؤمنة إلى أولئك الذين فتنوا بكنوز قارون، وتمنوا شيئا منها {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ}[القصص:79]، يُنْسب لأرسطوطاليس كلامٌ يناسب هذا الموقف, والحكمةُ ضالة المؤمن, جاء في كلامه: "العلة في ميل الناس إلى اللذات الجسمية, وفي هربهم من اللذات المعنوية؛ لأنهم مع هذه اللذات ينمون وإياها يألفون, وإنهم ظنوا أنها الأَوْلى في الاختيار؛ لأنها بنظرهم تدفع الحزن... وقال: إن الأكثر منهم لم يذوقوا لذة المعرفة، فيعرفونها، ومن عرف لذة المعرفة، يصبر على ما هو أمامها من الكد والتعب والخطر حتى يصل إليها... ثم قال: فإنه لا سبيل إلى لذة المعرفة من غير رفض كثير من الشهوات واللذات, ومن غير هجران لذة الراحة والخرافات, وليس بهيّنٍ رفضُ هذه اللذات وهجرانها" [12, ص ص142-143].

ويختصر هذه المعاني كلها قوله تعالى في سياق قصة قارون: {وَلا يُلَقَّاهَا إلاَّالصَّابِرُونَ} [القصص:80].

إن أصحاب الفرح الباطلِ والمرح - قارون وأمثاله - فتنةٌ لغيرهم من الناس, بخاصة أولئك الذين تعلقت نفوسهم بالدنيا ومتاعها, فكانوا بحاجة إلى تقريع يعيد لهم صوابهم, وهو ما قامت به الفئة المؤمنة، التي تستحق الوصف بالوصف المتقدم, قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [القصص:80].

إن الصبر المكتسب والمأمور به شرعاً خيرُ ضابط لانفعالات الإنسان, وأفضل معين على زينة الدنيا وفتنتها, والصبر أكمل وأكثر نفعاً من الضوابط التي وضعها الفلاسفة وعلماء النفس, والتي سبقت الإشارة إليها: كالمكابدة, وقوة الإرادة, وقوة التفكير, مع الإقرار بأن الصبر يتضمنها.

{فَخَرَجَ عَلَى قَومِهِ في زِينَتِهِ} [القصص:79], والتعبير بعلى يتضمن معنى التكبر والتطاول, حمله فرحه على المرح، فأظهر ماله, وعرض زينته, وصاحب هذا ازدراءٌ لقومه؛ لأنهم لا يملكون ما يملك.

عاجل الله تعالى قارون - وهو على هذه الحالة - بعقوبة عجيبة مخيفة {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص:81]، وهو نص يلقي ظلالُه رهبةً في النفوس, فيحسن أن نتركه دون تفصيل, خلافاً لجمع من المفسرين، أتوا في هذا المقام بكلام لا خطام له ولا زمام, خسف به وبدراه الأرض وكفى؛ لأنه أنموذج خطر على المجتمعات، وفتنة ظاهرة كان في هلاكه تقويم لمفاهيم كاد يعصف بها الفرح المذموم, لولا أن عاجَلَ الله قارون بالخسف, وخسف معه هذه التصورات الباطلة.

لقد ظهر هذا في تراجع الفئة التي فتنت بقارون حين أمسوا مفتونين، وأصبحوا نادمين {وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} [القصص:82]، ذُكرت قصة قارون في سورة مكية, تلاها المسلمون في مكة، يوم أن كان الصراع على أشده, فكانت مناسبةً لما كان عليه بعض كفار قريش - كالوليد بن المغيرة - من تطاولٍ على الرسول والرسالة, وسخرية بالمسلمين بسبب كثرة ماله وعياله: {أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ} [القلم:14-15].

جاء ذكر هلاك قارون مؤذناً بأن المال لا ينجي من عذاب الله تعالى, وكان في هلاكه وعيد شديد, لمن هم على شاكلته من أهل قريش, ومن بعدهم من المترفين المنحرفين, وتسلية للمؤمنين, ومبعث فرح لهم بأنهم على خير وإلى خير بفضل الله.

نهاية قارون دليل واضح على أن الإيتاء لا يدل على الرضا من المعطي, ولا على إكرام, ولا كان هذا العطاء مانعاً من العذاب, بل قد يكون العطاء طريقاً للهلاك, ومؤشراً على قربه {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام:44]، ولمّا غابت هذه الحقيقة عن المترفين، صارت أموالهم مدعاةً للفرح والبطر, بدلاً من أن تكون فرصةً للتأمل والمراجعة.

مر بنا عند الحديث عن الفرح المذموم شيء من آثاره السلبية, وقد يكون بعض هذه الآثار توارى في ثنايا الحديث، فيحسن بنا - والحالة هذه - أن نوجز ذكرها؛ لإبرازها:
1- الفرح المذموم يجعل صاحبه يسيء الظن بالله؛ لأنه يخشى أن ينزع الله منه الأشياء المفرحة, والفرح المذموم - الذي لا ضابط له - يؤدي إلى حزن مذموم لا ضوابط له عند فوات نعمة, أو حصول نقمة, وهذا الشعور يفضي إلى التسخط، وعدم الرضا بالقضاء والقدر؛ وهذا هو الخسران بعينه.

2- الفرح المذموم يلهي عن شكر المنعم؛ لانشغال صاحبه بالفرح وآثاره المتمثلة بالمرح بأنواعه, ولاعتقاده بأن لا فضل لأحد عليه, ولقد قالها قارون من قبلُ حين دُعي إلى الشكر: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي}، إن عدم الشكر سبب مباشر لنزع النعم، ولعذاب الله {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:7].

3- من آثار الفرح المذموم الركون إلى الدنيا، والرضا بها, والحرص عليها؛ خشيةَ أن يفوته بعض ما فيها من وسائل الفرح ودواعيه, وهذا يشغله - ولا شك - عن الآخرة والعمل لها.

إن من كانت هذه حالَه، يفتقر إلى التعقل والاتزان؛ لأنه يعيش للشهوات وفيها, وهذا يذكِّر بقول أرسطو: "ليس بين اللذات الجسمية وبين التعقل مشاركة؛ والدليل أن اللذة المفرطة تجعل الإنسان هائم العقل مضطرباً، وإنما تكون المشاركة بينها وبين السفه والغلمه" [12, ص144].

4- الفرح المذموم يدفع صاحبه إلى البخل، ويرغِّبه فيه؛ لأن من طبيعة الإنسان أن يحرص على ما يجلب له الفرح [44, جـ27, ص884]، ويتفنن في طرق جمعه, ولا يقتصر الأمر على البخل؛ بل يتعدى إلى الأمر به, والحث عليه؛ ليكثر حزب المترفين البخلاء بإزاء حزب الفقراء, وحتى لا يكون هذا البخيل وحيداً.

لقد نبه القرآن الكريم على هذا التلازم, فقد جاء بعد الآية التي تنهى عن الفرح المفرط في سورة الحديد - ذمُّ البخل والذين يأمرون به, في قوله تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [الحديد:24].

وقد ناسب أن يأتي بعد آية سورة الروم:{وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا} [الروم: 36] الأمرُ بإعطاء الحقوق لأهلها, والنهي عن الربا؛ لأن الفرح مظنَّة أن يبخل الإنسان، فلا يجود بالحقوق, وهو كذلك مظنَّة أن يحرص الإنسان على جمع المال دون ضوابط, ولهذا أعقب الآية السابقة قوله تعالى: {فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} [الروم:38], ثم قوله تعالى {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ} [الروم:39].

5- يورث الفرح المذموم صاحبه العُجْبَ؛ بسبب حصوله على ما يفرح, والعُجْبُ مدعاة للاستهزاء بالآخرين, والبغي عليهم، كما فعل قارون, والسخريةُ والاستهزاء [1, ص108] نوع من أنواع الفرح.

6- الشماتة: هي الفرح بشرٍّ ينال الآخرين؛ فهي من آثاره المذمومة, فمن نجا بنفسه، فرح وشمت بمن أصيب, ومن نجح من هؤلاء في أمر، فرح وشمت بمن فشل.

7- الإنسان الفرِح المرح بالباطل فتنة للناس, وخطر على المُثُل العليا, وقد تؤدي ظاهرة انتشار الفرح المذموم إلى اختلال الموازين في المجتمع, وإلى الخطأ في تقدير الأشياء والحكم عليها.

8- أصحاب الفرح المذموم يُعْرضون عن دعوات الخير والصلاح, ويناصبون أهلها العداوة, إما فرحاً بما اعتادوا عليه وألفوه, وإما لأن هذه الدعوات تدعو إلى الاتزان والتوسُّط, والفرح يشرق بهذه المعاني السامية.

الفرح المباح:
إن بين الفرح المحمود والفرح المذموم قسماً ثالثاً يمكن أن يسمى بالفرح المباح, ومن رامَ أن يلحقه بالقسم الأول، فلن تعجزه حجة.

وقد مضى في البحث إشارات إلى الفرح المباح، لا أخالها خفيت على القارئ, بيدَ أنّ لَمَّ شعث هذا الفرح؛ لينتظم في صعيد واحد - أحرى أن تتضح معالمه.

الفرح - هذا الانفعال الفطري - لا تكاد تخلو منه نفس بشرية؛ فإنها تفرح, وتُبدي سرورها ورضاها، حين تباشر ما من شأنه أن يفرحها في العادة، على اختلاف في الأشياء المفرحة بين إنسان وآخر, فقد يطير إنسان ما فرحاً بشيء, لا يحرك هذا الشيء نفسُه ساكناً عند آخر, ولا عجب, فإن المفرحاتِ أشياءُ مكتسبة، بخلاف الفرح نفسه, هذا مع الإقرار بوجود أشياء يفرح عامة الناس بها؛ كالمال, والنجاح, والحياة, والتميز, وما شابه ذلك.

إن الحياة من حيث هي مبعث فرح في النفس, فالله تعالى سمى الموت مصيبة:{فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ} [المائدة:106], وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول حين استيقاظه: ((الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا))[20].

لقد ظهر لنا - مما تقدم في البحث - أن الفرح على البراءة الأصلية، مباح، معفو عنه؛ كونه انفعالاً, ما لم يطرأ عليه مؤثر خارجي يحيله إلى فرح محمود, أو مذموم, ومن هنا وجّه الشرع عنايته إلى تهذيب الفرح وضبطه.

إن المسلم أَوْلى الناس بهذا الفرح؛ فإن فيه إظهاراً لنعمة الله تعالى, وانسجاماً مع طبيعة النفس السوية.

لقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يضحك ضحك الفرح عندما يرى ما يسره, وكان يضحك مما يضحك الناس, وكان يتعجب مما يُتَعَجّب من مثله, ويستغرب وقوعه [47, جـ1, ص46].

وقدم جعفر بن أبى طالب - رضي الله عنه - من الحبشة إلى المدينة، يوم أن فتح الرسول - صلى الله عليه وسلم - خيبر, فتلقاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقَبَّل جبهته، وقال: ((والله ما أدري بأيّهما أفرح: بفتح خيبر أم بقدوم جعفر؟)) [47, جـ2, ص 144].

ها هو - صلى الله عليه وسلم - يفرح, ويسعى؛ ليفرح أصحابه معه, فقد جاء في حديث الدجال قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لكن تميماً أتاني، فأخبرني خبراً منعني القيلولة ؛من الفرح وقرة العين, فأحببت أن أنشر عليكم فرح نبيكم))[21]، وكان الصحابة الكرام إذا رأوا الغيم، فرحوا[22]؛ استبشاراً بنزول المطر وإنبات الأرض, وما يتبع ذلك من خيرات تتمناها النفس، وتفرح بها.

في ضوء ما تقدم، لا نتفق مع صاحب "روح البيان" في قوله [49, جـ7, ص38]: "أهل المحبة والإرادة - سواء نالوا ما يلائم الطبع أو فات عنهم ذلك - فإنهم لا يفرحون، ولا يحزنون؛ كما قال الله تعالى: {لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} [الحديد:23]"، ولو قيَّد الفرح بما يخرجه عن حد المباح، وكذا الحزن، لأصاب؛ لأنه الذي تدل عليه الآية التي استند إليها؛ بل إنه لأمرٌ متعذر أن لا يفرح الإنسان ولا يحزن, والمطالبة بهذا المسلك مثالية، تتجاهل طبيعة الإنسان, وقد رأينا مثل هذا التوجه عند بعض الفلاسفة، مثل سقراط، ومن تبعه مثل الكندي [50, ص ص 168- 170]، حيث يرى هؤلاء: أنه لا ينبغي للإنسان أن يقتني أشياء مفرحة؛ لأنه إذا فقدها حزن, وقد كان هؤلاء يروجون للفرح العقلاني الذي لا ضد له, وشتان بين الدعوة إلى التجاهل والدعوة إلى الاتزان.

إن شرع الله أحكم، وهديَه - سبحانه – أكمل، حين أباح الفرح بما يُفرح باعتدال، ورغَّب في الشكر عليه, وأباح الحزن على ما يُحزن باعتدال أيضاً, ورغَّب في الصبر, وهو ما ينسجم مع طبيعة النفس السوية .

إن توبيخَ الله تعالى للكافرين بقوله: {ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ في الأَرْضِ بِغَيرِ الْحَقِّ} [غافر:75] - دليلٌ على أن الفرح بالحق - وهو المحمود والمباح - جائز.

وفي حديث التوبة المشهور دلالة واضحة على إباحة الفرح في أمور الدنيا؛ لأن فرح الله تعالى شُبِّه به - مع نفي المماثلة والمشابهة - ولا يشبه فرح الله إلا بمباح، ((لله أفرح بتوبة عبده من أحدكم سقط على بعيره وقد أضله في أرض فلاة".

وفي رواية ذكرها صاحب "دليل الفالحين" نقلاً عن ابن عساكر في أماليه، عن أبي هريرة مرفوعاً: ((لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد، ومن الضال الواجد, ومن الظمآن الوارد" [6, جـ1, ص86], وهذه كلها صور لفرح في أمور الدنيا.

يبد أن الفرح المباح ينبغي أن يحترز منه, لا خوفاً من أن يتجاوز الحد، فيصبحَ مذموماً, فهذه مسألة سبق الحديث عنها, وتحديد معالمها, ولكنّ ثمةَ مسألةً أخرى: وهي أن الفرح المباح قد يشتد، فيوقع صاحبه في أخطاء غير مقصودة، في أثناء تعبيره عن هذا الفرح.

في حديث التوبة المتقدم ما يؤكد هذا الأمر, فقد قال - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل الذي فقد بعيره ثم وجده: ((ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح)), والأمر ما قال علماء النفس في هذا المجال: بأن الانفعالات الهائجة لا تكاد تنجو النفس من آثارها الضارة بالوظائف الفعلية؛ فالانفعال العنيف يُشوّه الإدراك، ويعطل التفكير المنظم, والقدرة على حل المشكلات, ويضعف القدرة على التذكر والتعليم، ويشل سيطرة الإدراك [50, ص167].

قال بعض شرَّاح الحديث [6, جـ1, ص86]: "أي: تجاوَزَ الصواب، وهو قوله: أنت ربي وأنا عبدك، إلى ما قاله من الخطأ من شدة الفرح؛ لما تقرر من أنه ربما اشتد حتى منع صاحبه هذا من إدراك البدهيات، فضلاً عن غيرها".

لقد وضع هذا الحديث قاعدة جليلة طالما دفع الثمن غالياً من جهلها أو تجاهلها, ذلك أن الفرح - كما يقول ديكارت [1, ص68] - يجعل الذين يستسلمون له جسورين وغير مبالين, وهذا ما يجعل الفرح في العادة أشد ضرراً على النفس من الحزن, ومن قبلُ قال أفلاطون [12, ص144]: "إن اللذة المفرطة تجعل الإنسان هائم العقل مضطرباً".

وأكمل من هذا وذاك قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - حين جعل شدة الفرح مظنة للوقوع في الخطأ, وكأن بينهما تلازماً, وقد يكون الخطأ في القول، أو الفعل، أو في تقدير الأمور, ولهذه الجوانب صور لا حصر لها.

لا تكاد تخلو الذاكرة من حادثة - أو حوادث - مؤسفة سُمعت أو شوهدت, أعقبت فرحاً,فأعقبها حزن - كالتهور في قيادة السيارات مثلاً - كان القصد منها التعبيرَ عن الفرح؛ فأدت إلى حالات وفاة, أو إعاقة دائمة تظل ماثلة أمام الناس, ومن العجب أنها نشأت بسبب التعبير عن الفرح, يقول ديكارت [1, ص83]: "إن دفع الأشياء التي تضر، ويمكنها أن تهدم أهمُّ من اكتساب الأشياء التي تضيف كمالاً، نستطيع أن نستمر في الحياة بدونه".

وقد سبق الشرع الحكيم إلى هذا المعنى في القاعدة المشهورة التي تقول: "دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة".

وليس ببعيد عن هذا التجاوزاتُ غيرُ الشرعية في المبالغة في المباحات، أو التهاون في المفروضات, عن قصد أو من دون قصد؛ ومَرَدُّ ذلك كله شدة الفرح المباح في أصله.

الخاتمة:
وختاماً: أرى - لزاماً - أن أوجز - في فقرات معدودة - أبرز ما تضمنه هذا البحث؛ إتماماً للفائدة, ومتابعة للعادة السائدة:
1- الإنسان - من حيث هو بانفعالاته وصفاته التي جبل عليها - غيرُ متزن, وقد تكفّلت النصوص الشرعية بالضبط والتوجيه؛ ليتمكن هذا الإنسان من التعامل والتفاعل مع ما حوله على الوجه الحسن.

2- الفرح انفعال ظاهر في النفس البشرية, لا يلحقه مدح أو ذم - من حيث هو - وإنما يكون المدح والذم بحسب متعلقه.

3- عُني القرآن الكريم بالفرح في آيات كثيرة, عرضت له بطريقة مباشرة و غير مباشرة, منثورة في سوره الكريمة, يستفاد من هداياتها مجتمعة أن الفرح ثلاثة أقسام: محمود, ومذموم, ومباح.

4- ذكر القرآن الكريم الفرح المحمود, المتمثل بالفرح في الدين الإسلامي, وبكل ما يتصل به, فأمر الله به, وأعلى من شأنه, وعرَّض بمن أعرض عنه؛ لما لهذا الفرح من فوائد حميدة، وآثار مفيدة.

5- للفرح المذموم صور متنوعة, أسندها القرآن الكريم إلى طوائف مذمومة, وهي اليهود, والمنافقون, والكافرون, والمترفون, تحدَّث من خلالها عن دوافع الفرح المذموم، وآثاره السلبية بما يكفي؛ للتبصير والتحذير لكل حريص متأمل.

6- الفرح المباح ينسجم مع الطبيعة السوية للنفس البشرية, مع ضرورة الاحتراز منه؛ لأن للتساهل في شأنه، أو المبالغة فيه عواقبَ غيرَ محمودة.

7- تَمَيُّز المنهج القرآني بشأن الانفعالات - في الحكم والضبط والتوجيه - مع وجود قواسم مشتركة بينه وبين بعض ما ورد عن مدارس الفلسفة، وعلم النفس في هذا المجال.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.

المراجع:
1 - ديكارت، رينيه (ت1561م) . "انفعالات النفس"، ترجمة وتقويم وتعليق: جورج زيناتي، ط1، بيروت: دار المنتخب العربي للدراسات والنشر والتوزيع، 1413هـ.
2 - سبيعي، عدنان. "المدخل إلى عالم النفس الإسلامي"، ط1، دمشق: دار قتيبة، 1411هـ.
3 - القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت671هـ). "الجامع لأحكام القرآن"، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1405هـ.
4 - عطية الله، أحمد. "سيكولوجية الضحك"، القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1947م.
5 - ابن القيم، محمد بن أبي بكر (ت751هـ). "الضوء المنير على التفسير"، جَمَعه علي الحمد الصالحي، الرياض: مؤسسة النور، د.ت.
6 - الزبيدي، زين الدين أحمد. "مختصر صحيح البخاري"، المسمى: "التجريد الصريح لأحاديث الجامع الصحيح"، تحقيق إبراهيم بركة، ط4، بيروت: دار النفائس، 1409هـ.
7 - الصديقي، محمد بن علان (ت1057هـ). "دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين"، بيروت: دار الكتب العلمية، د.ت.
8 - ابن حجر، أحمد بن حجر العسقلاني (ت 852هـ). "فتح الباري بشرح صحيح البخاري"، د.م: دار الفكر للطباعة والنشر، د.ت.
9 - ابن القيم، محمد بن أبى بكر (ت 751هـ). "التفسير القيم"، جَمعه محمد أوس الندوي، تحقيق محمد حامد الفقي، مكة المكرمة: مطبعة السنة المحمدية، 1949م.
10 - عثمان، عبد الكريم محمد. "الدراسات النفسية عند المسلمين والغزالي بوجه خاص"، ط2، القاهرة: مكتبة وهبة، 1401هـ.
11 - عبد الله، حسن إبراهيم. "مقدمة في فلسفة التربية الإسلامية من التربية الطبيعية الإنسانية"، الرياض: دار عالم الكتب، 1405هـ.
12 - العامري، أبو الحسن محمد بن يوسف ( ت 381هـ). "السعادة والإسعاد في السيرة الإنسانية"، دراسة وتحقيق أحمد عبد الحليم عطية، القاهرة: دار الثقافة للنشر والتوزيع، د.ت.
13 - ابن عاشور، محمد الطاهر. "تفسير التحرير والتنوير"، د.م: د.ن، د.ت.
14 - ابن فارس، أبو الحسن أحمد (ت 395هـ). "مقاييس اللغة"، تحقيق عبد السلام هارون، ط 2، القاهرة: مصطفى البابي الحلبي، 1319هـ.
15 - الأزهري، أبو منصور بن أحمد (ت 282هـ). "تهذيب اللغة"، تحقيق عبدالله درويش، ومراجعة محمد النجار،القاهرة: دار الكتب المصرية للتأليف، د.ت.
16 - الزاوي، الطاهر أحمد. "ترتيب القاموس المحيط"، بيروت: دار الكتب العلمية، 1399هـ.
17 - الراغب، أبو القاسم حسين بن محمد (ت 502هـ). "المفردات في غريب القرآن"، تحقيق محمد سيد كيلانى، بيروت: دار المعرفة، د.ت.
18 - ربيع، محمد شحاتة. "التراث النفسي عند علماء المسلمين"، د.م، دار المعرفة الجامعية، 1993م.
19 - الرازي، فخر الدين محمد بن عمر (ت 606هـ). "التفسير الكبير"، د.م، دار الفكر، 1410هـ.
20 - الفيزوزآبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب (ت 817هـ). "بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز"، القاهرة: لجنة إحياء التراث الإسلامي، 1383هـ.
21 - مجلة "الفيصل"، ع 251، مقالة الشيخ أبو عبد الرحمن بن عقيل.
22 - ابن منظور، جمال الدين محمد بن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://khemies.ahlamontada.com
 
دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله ....تابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دراسة قرآنية تربوية.:الـــفــــرح.....من إعـداد: زيد عمر عبد الله
» خلافات أخرى...تابع
» دراسة حول الأقاليم النباتية في الجزائر
» لاإله إلا الله محمد رسول الله
» دراسة تقول ان كنت مريض نفسيا عالج نفسك بالانترنت

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مــنـتـديات الـوفـاء -خـمـيـس حــدودة- الـقـلـب الـكـبـيـر- ولاية الـمـديــة :: مـنـتـدى أمـتــى العـربية والإسلاميـة المجيدة :: المـنـتـدى الـعـــام-
انتقل الى: