وهكذا نكون قد عايشنا أجواء المشهد الثالث قبل الأخير من فصول سورة الدخان ، وبقي المشهد الرابع والأخير ، المشهد الأكثر رعبا وهولا إنها البطشة الكبرى ، التي سينتقم فيها رب العزة ممن آذوا رسوله ، وهو وعد خاص لمحمد عليه الصلاة والسلام ولا يخلف الله وعده ، قال تعالى ( إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا ، وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ، فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) وقال ( فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47 إبراهيم ) .
أما المؤمنون من أهل مصر فربهم أعلم بهم ، وهو كفيل بأن يقيهم العذاب حيث وعدهم بالنصر كما وعد رسله ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا ، إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ، فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا ، وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47 الروم ) ، ووعدهم بالنجاة كما وعد رسله ، قال تعالى ( فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ ، إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ، قُلْ فَانْتَظِرُوا ، إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا ، وَالَّذِينَ ءَامَنُوا ، كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103 يونس ) .
وبعد جدال طويل لمؤمن آل فرعون مع أئمة الكفر من قومه ، في حوار يمتد من الآية 28 في سورة غافر وحتى الآية 44 ، يقول لقومه : ( فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ، وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ، إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ، وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (45) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ ، أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) وكذلك سيفعل الذين من بعدهم عندما يسمعون بأمر هذا الكتاب ، فسيُمارون ويُكثرون من الجدل الجدال ، ليُثبتوا أن هذه السورة لم تكن بأي حال من الأحوال بشأن مصر وما يجري في مصر ، وما ذلك بمنجيهم من العذاب ، فالأولى بهم أن يُصلحوا ما فسد من أمرهم ليدرءوا العذاب عن أنفسهم .
ماهية هذه البطشة :
المكان هو القاهرة بشكل خاص حيث ظهر الدخان ، ومن المرجح ألا يمتد إلى غيرها من المدن المصرية الكبرى وربما يمتد ، والله أعلم .
النتيجة هي دمار القاهرة وخرابها وهلاك أهلها هلاكا عاما غاية في البشاعة ، وهذا مستفاد من قوله تعالى ( بطشتنا ) عند حديثه عن عذاب قوم لوط ، التي أوضحنا صفتها في فصل سابق ، فتلك بطشة وهذه بطشة كبرى .
ومن المرجح والله أعلم ، ألا تكون هذه البطشة بفعل إلهيّ خاص وظاهر كعذابات الأقوام السابقة ، مع بقاء الاحتمالية قائمة كالخسف والزلازل . ومن المحتمل أن تكون ضربة أو ضربات نووية ، تترافق وتتزامن مع أحداث الحرب القادمة ، والله أعلم .
ومما يدعم احتمال ضرب القاهرة نوويا ، هو ما جاء في أسفار التوراة من أخبار بخراب مصر وحريقها بالنار وهلاك أهلها ، وجفاف النيل وروافده فربما تصدق إن كانت هي المقصودة فعلا ، في النصوص التالية :
ـ نص من سفر إشعياء ، وهو السفر الأقل تشويها وتحريفا ، وهو السفر الذي مازال يحتفظ بنصوص البشرى بمحمد عليه الصلاة والسلام ، وإليك نصه :
إشعياء : 19: 1-16: نبوءة بشأن مصر ، ها هو الرب قادم إلى يركب سحابة سريعة ، فترتجف أوثان مصر في حضرته ، وتذوب قلوب المصريين في داخلهم ، وأُثير مصريين على مصريين فيتحاربون ، ويقوم الواحد على أخيه ، والمدينة على المدينة ، والمملكة على المملكة ، فتذوب أرواح المصريين في داخلهم ، وأُبطل مشورتهم ، فيسألون الأوثان والسحرة وأصحاب التوابع والعرّافين ، وأُسلّط على المصريين مولىً قاس ، فيسود ملك عنيف عليهم ، هذا ما يقوله الرب القدير …
… وتنضب مياه النيل ، وتجف الأحواض وتيبس ، تُنتن القنوات ، وتتناقص تفرّعات النيل وتجف ، ويتلف القصب والأسل ، وتذبل النباتات على ضفاف نهر النيل ، والحقول والمزروعات كلها تجف ، وكأنها لم تكن مخضرّة . فيئن الصيادون وطارحو الشصوص في النيل وينوحون ، ويتحسّر الذين يلقون شباكهم في المياه ، ويتولّى اليأس قلوب الذين يصنعون الكتان الممشّط ، ويفقد حائكو الكتان الفاخر كل أمل ، ويسحق الرجال أعمدة الأرض ، ويكتئب كل عامل أجير …
… رؤساء صوعن حمقى ، ومشورات أحكم حكماء فرعون غبية , كيف تقولون لفرعون ، نحن من نسل حكماء ، وأبناء ملوك قدامى ؟! أين حكماؤك يا فرعون ، ليطلعوك على ما قضى به الرب القدير على مصر ؟! قد حَمق رؤساء صوعن ، وانخدع أمراء نوف ، وأضلّ مصر شرفاء قبائلها . جعل الرب فيها روح فوضى ، فأضلّوا مصر في كل تصرّفاتها ، حتى ترنّحت كترنّح السكران في قيئه ، فلم يبق لعُظمائها أو أدنيائها ما يفعلونه فيها . في ذلك اليوم ، يرتعد المصريون كالنساء ، خوفا من يد الرب القدير التي يهزّها فوقهم .
ـ ومقتطفات من نص آخر لارميا ، يُنبّئ بخراب مصر :
ارميا : 46: 13- : النبوءة التي أوحى بها الرب إلى ارميا النبي ، عن زحف نبوخذ نصر لمهاجمة مصر : أذيعوا في مصر ، وأعلنوا في مجدل ، خبّروا في ممفيس ، وفي تحفنحيس ، قولوا : قف متأهبا لأن السيف يلتهم مِن حولك . … فتقول بقية اليهود آنذاك : قوموا لنرجع إلى قومنا ، وإلى أرض موطننا ، هربا من السيف الطاغي . ويهتفون هناك : إن فرعون ملك مصر ، ليس سوى طبل أجوف ، أضاع فرصته . … تأهبوا للجلاء يأهل مصر ، لأن ممفيس ستصبح أطلالا وخربا مهجورا . مصر عجلة فاتنة هاجمها الهلاك من الشمال ، حتى مرتزقتها في وسطها كعجول مسمّنة ، قد نكصوا على أعقابهم هاربين معا ، ولم يصمدوا لأن يوم بلائهم ، قد حل بهم في وقت عقابهم .
ـ ومقتطفات من نص آخر لحزقيال ، يُنبّئ بخراب مصر :
حزقيال : 30: 1-13: وأوحى إليّ الرب بكلمته قائلا : يا ابن آدم ، تنبّأ ، وقل : … ، إنّ يوم الربّ بات وشيكا ، … ، إنّه يوم مُكفهرّ بالغيوم ، ساعة دينونة ( نهاية ) للأمم ، إذ يُجرّد سيف على مصر ، فيعُمّ الذعر الشديد إثيوبيا ، عندما يتهاوى قتلى مصر ، ويستولي على ثروتها ، وتُنقض أُسسها . ثم تسقط معهم بالسيف ، إثيوبيا وفوط ولود ، وشبه الجزيرة العربية وليبيا ، وشعوب الأرض المُتحالفة معهم … فيتهاوى سُكّانها من مجدل إلى أسوان ... فتُصبح أكثر الأراضي المُقفرة وحشة ، وتُضحي مُدنها أكثر المُدن خرابا … في يوم هلاك مصر ، الذي لا بد أن يتحقّق ...
… لأني سأفني جماهير مصر بيد نبوخذ نصّر ملك بابل ، إذ يُقبل بجيشه أعتى جيوش الأمم لخراب ديار مصر ، فيُجرّدون عليها سيوفهم ، ويملئون أرضها بالقتلى ، وأُجفّف مجاري نهر النيل ، وأبيع الأرض لقوم أشرار ، وأُخرّب البلاد فيها بيد الغرباء ، أنا الربّ قد قضيت . ثمّ أُحطّم الأصنام ، وأُزيل الأوثان من ممفيس ، ولا يبقى بعد رئيس في ديار مصر ، وأُلقي فيها الرعب .
( وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ )
قال تعالى في سورة القمر ( كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ بِالنُّذُرِ (33) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا ءَالَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (34) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (35) وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (36) وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (37) وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (38) فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (39) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْءَانَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (40 القمر ) .
فتماروا بالنُذر : جماع معنى كلمة مراء ، هو الإكثار في الجدال بلا طائل ، بغية إلباس الحق بالباطل ، والصورة التي تشكّلت لدينا مما جاء من معاني في لسان العرب ، هو أن قوم لوط ، عندما أنذرهم وحذّرهم عليه السلام من العذاب استهزءوا به وبتحذيره ، بل وطفقوا في مجالسهم يتبارون فيما بينهم أيهم أقوى حجة ، بكل ما أُتوا من ملكات وبيان لاستخراج واستنباط البراهين ، لتفنيد ما يدّعيه لوط من قدرة ربه على إهلاكهم ، دون أن يألوا جهدا في التشكيك بذلك ، مظهرين أكبر قدر من الصلابة والثبات في مواقفهم المخالفة للوط ، وأكبر قدر من الخصومة لكل ما جاء به من الحق . وهذا ما يقوم به عادة المدافعين عن الباطل لإضلال الناس ودفعهم للاعتقاد بوجهة نظرهم ، وهذه الصورة كثيرا ما نراها هذه الأيام ، في حوارات أهل الباطل ومناقشاتهم ، حتى من بعض رجال الدين عندما يجتمعون فيما بينهم ، على منابر الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة . قال تعال ( وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا ءَايَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (56 الكهف )
والسؤال الآن : هل سيتمارى أهل مصر بهذا الكتاب ، فيما لو وقع تحت أيديهم ، كما تمارى الذين من قبلهم ؟ نقول : نعم بلا أدنى ! ألم يقل سبحانه ( أنّى لهم الذكرى ) ، وقد كذّبوا برسالة محمد عليه الصلاة والسلام ، فالأحرى بهم أن يُكذبوا من هو دونه من البشر ، أيا كانت درجتهم أو صفتهم ، وألم يقل سبحانه ( يوم نبطش … ) وعقب على هذا اليوم ، بقوله ( فارتقب إنهم مرتقبون ) فالمسألة باتت مسألة وقت لا أكثر … فلنرتقب … ونرى … !
ولكن هل يفيد هذا الإنذار السابق للعذاب ؟ نقول : نعم ولو لم يكن فيه فائدة لما أنزله الله في كتابه :
أولا : إذ لو عاد أهل مصر عامة ، عمّا هم عليه لرُفع عنهم العذاب ، كما رُفع عن قوم يونس عليه الصلاة والسلام ، وأما التأكيد على أنهم سينزل بهم ، كان لسبق علم الله ، بما سيكون من إصرارهم على ما هم عليه بعد كشف الدخان .
ثانيا : وربما سيكون هناك عودة لبعض أهل مصر على المستوى الفردي ، فيما لو انتبه أحدهم لهذا الأمر ، من خلال قراءته لسورة الدخان ، أو تم تنبيهه لهذا النذير الإلهي . وكون الناس منشغلون بدنياهم عن قراءة القرآن ، فذلك حجة إضافية عليهم يوم القيامة فيما لو تذرّعوا بأن لم يأتهم نذير ، في أنهم كانوا حقا معرضين عن كتابه ، كما أخبر سبحانه بحالهم من سابق علمه في كتابه العزيز ، ليكون النذير في متناول أيديهم وهم لا يشعرون . وربما يكون أحدهم قد انتبه ، ولما لم يُكلّف نفسه بالبحث ، إذ لا يرى نفسه ملزما بفهم كتاب الله فتساءل … ؟! فضلّله عامّي أو عالم أو فقيه بغير علم … !
ثالثا : ليكون في كل هذا عبرة لمن يعتبر من المصريين وغيرهم من الأمم ، قال تعالى ( فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ (56 الزخرف ) سلفا لمن سيأتي بعدهم ومثلا لمن عاصرهم .
مسألة إهلاك العامة والخاصة
قد يستنكر البعض إهلاك الله للعامة كونهم مسلمين ، وردا على ذلك ، نقول أن ربهم أعلم بهم ، وهو الأقدر على كيفية التعامل معهم ، وحكمه في خلقه عدل وقضاؤه فيهم حقّ . ومما قاله رب العزة في سنن إهلاك القرى ، موضحا أسباب استحقاق أهلها للعقاب بفعل ساداتها هو ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ ، أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ، وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (123 الأنعام ) ، وقال ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً ، أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا ، فَفَسَقُوا فِيهَا ، فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ ، فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16 الإسراء )
وأما أسباب استحقاق العامة للعقاب ، كما يُبيّنوها هم بأنفسهم قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (65) يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَلَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا (66) وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا ءَاتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا (68) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ، لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوْا مُوسَى ، فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا ، وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70 الأحزاب )
وقال تعالى ( فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ (94) وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ (95) قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ (96) تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (97) إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (98) وَمَا أَضَلَّنَا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ (99) فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ (100) وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (101 الشعراء ) .
وقال تعالى ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْءَانِ ، وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَلَوْ تَرَى ، إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ، يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ ، يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا ، لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا ، لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ (31 سبأ )
وذلك بسبب طاعتهم وتأليههم لسادتهم وكبرائهم من المجرمين ، ورضاهم واتباعهم لمنهج كبرائهم ، سواء كان ذلك كرها أم طوعا ، وممارستهم للفساد والإفساد كل حسب طاقته . وفساد الحكام عادة ما يكون مسبوقا بفساد الشعوب وانحرافها ، وليس العكس كما يتصور الكثير من المنظّرين الطامعين في السلطة ، صابين جام غضبهم على الحكام ، والأجدى بهؤلاء والأجدر بأن يشعروا بالرثاء لحال الملوك ، والإشفاق عليهم من حسابهم العسير ، بين يدي ملك الملوك إن كانوا من الظالمين وليصلحوا أنفسهم أولا ، ورب العزة كفيل بأن يولّي عليهم من هو خير منهم ، ولا أذكر بالضبط من القائل لو يعلم الملوك ما نشعر به من حلاوة الإيمان لقاتلونا عليها بالسيوف وهل يضمن هؤلاء ألا يُفتنوا ببريق المال والسلطة ، كما افتُتن الملوك والحكام على مرّ العصور فيما لو تحصّلوا عليهما ، قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ (11 الرعد ) .
وتدبّر دعاء نوح عليه السلام على قومه ، حيث شملت دعوته من هم في ظهور آبائهم : ( إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27 نوح )
وتفكّر وتدبّر في قصة أصحاب السبت ، فيما يلي من آيات :
( وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (165) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ (166 الأعراف ) .
إذن هناك نجاة لمن ينهون عن السوء أولا ، ومن ثم هناك عذاب للذين ظلموا ثانيا بما كانوا يفسقون ، والفسق اصطلاحا هو الخروج من الدين ، ولاحظ هنا أن النجاة كُتبت لمن أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، فهل نجرؤ أو نقوى هذه الأيام على فعل ذلك ، وإيمان الواحد منا على حرف وخوفنا على فقدان متاع الحياة الدنيا ، أشد من خوفنا من أمر الله … ؟!
قال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ ، فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ ، انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ ، خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11 الحج )
وعن حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ ، قال : كَانَ النَّاسُ ، يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنْ الشَّرِّ ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قُلْتُ : وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ ، قُلْتُ : وَمَا دَخَنُهُ ؟ قَالَ : قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ ، قُلْتُ : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟ قَالَ : نَعَمْ دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ؟! فَقَالَ : هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا ، قُلْتُ : فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟ قَالَ : تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ ، قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ ؟ قَالَ : فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ . . رواه الشيخان ، وأخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن وأحمد .
وعَنْ سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ ، قَالُوا : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : مُؤْمِنٌ فِي شِعْبٍ مِنْ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ . رواه الشيخان ، وأخرجه وأبو داود وابن ماجه وأحمد .
وقال تعالى ( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ ، الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25 الأنفال )
( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ )
قال تعالى : ( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا ، عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ، إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ ، تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ ، يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ ، فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا : رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ، نُجِبْ دَعْوَتَكَ ، وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ، أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ، مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ ، وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ ، وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ ، وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ ، مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (47 إبراهيم ) …
… هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ ، وَلِيُنْذَرُوا بِهِ ، وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (52 إبراهيم )
من هم الظالمون ومن هي القرى الظالمة ؟!
جاء في إهلاك القرى الظالمة :
( وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48 الحج )
( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102 هود )
( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (52 النمل )
( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ (11 الأنبياء )
( وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (129) … ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ (131 الأنعام ) .
( قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ ، بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً ، هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (47 المائدة )
مفهوم الظلم بالمنظور الإلهي على المستوى الفردي والجماعي :
1. ادعاء البشر للألوهية : ( وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ ، إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ ، فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ، كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (29 الأنبياء )
2. الشرك بالله : ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَبُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13 لقمان )
3. الشرك في الدعاء والولاء : ( وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ (106 يونس )
4. الكذب على الله أو التكذيب بآياته : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (21 الأنعام )
5. الإعراض عن آيات الله : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ (22 السجدة )
6. الكفر بعد الإيمان : ( كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86 آل عمران )
7. إنكار البعث وقدرة الله على الخلق : ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99 الإسراء )
8. التكذيب المسبق بدون علم ممن أخذتهم العزة بالإثم : ( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39 يونس )
9. الخوض في آيات الله : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (68 الأنعام )
10. تكذيب الرسل : ( وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113 النحل )
11. اتهام الرسل بالمس إنكارا للوحي : ( إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا (47 الإسراء )
12. اللهو والتجني على الرسل في السر والعلن : ( لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ، وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (3 الأنبياء )
13. اتهام الرسول بالكذب والتعلّم من البشر : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4 الفرقان )
14. الإعراض عن هدي الرسل واتباع سبلهم : ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَلَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27 الفرقان )
15. منع ذكر الله في المساجد والسعي في خرابها : ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا (114 البقرة )
16. كتم ما أُوتي الناس من علم من عند ربهم : (قُلْ ءَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ ، وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنْ اللَّهِ (140 البقرة )
17. شهادة الزور : ( … فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (107 المائدة )
18. اتباع الهوى : ( بَلْ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (29 الروم )
19. اتباع أهواء أهل الكتاب : ( وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ (145البقرة )
20. فتنة الناس في دينهم : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193 البقرة )
21. معصية أمر الله : ( وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنْ الظَّالِمِينَ (35 البقرة )
22. الاعتداء على حدود الله : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (229 البقرة )
23. القتل وسفك الدماء : ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29 المائدة )
24. الحكم بغير ما أنزل الله : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (45 المائدة )
25. الاستنكاف عن القتال في سبيل الله : ( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (246 البقرة )
26. خيانة العهد ونكران المعروف : ( وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23 يوسف )
27. موالاة الذين يقاتلون المسلمين ويُخرجونهم من ديارهم ، وموالاة الذين يُؤيدونهم ويُساندونهم في فعلهم : ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9 الممتحنة )
28. موالاة اليهود والنصارى : ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51 المائدة )
29. موالاة الكافرين ولو كانوا أولي قربى : ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (23 التوبة )
30. إخراج الناس من ديارهم وتشريدهم : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (13إبراهيم )
31. إضلال الناس : ( وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24 نوح )
32. الاستعلاء والاستكبار في الأرض : ( وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا (35 الكهف )
33. ازدراء فقراء المؤمنين والإعراض عنهم : ( وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52 الأنعام )
34. الاستهزاء بالآخرين والتقليل من شأنهم : ( يَأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11 الحجرات )
35. الاستعاضة عن الإيمان بالله واليوم الآخر ، والجهاد في سبيله ، بخدمة حجاج بيت الله الحرام : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19 التوبة )
36. حمل القرآن والعمل بنقيض ما جاء به : ( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5 الجمعة )
نحن نرى أن زمن النهاية قد اقترب ، وأن الحلقة الأولى من مسلسل أحداثها ، ستبدأ على أبعد الاحتمالات خلال فترة زمنية لا تزيد عن أشهر معدودة . وأن أحداث النهاية سيهلك فيها الكثير من الناس وتنهار فيها الكثير من الأمم ، وقد يستنكر الكثيرون هذا الأمر .
قال تعالى ( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ (17 الإسراء ) ولو رجعنا إلى الوراء قليلا ، واستذكرنا تلك الأقوام التي أُهلكت لمّا ( عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ (8 الطلاق ) لوجدنا أن أشكال الظلم التي مارستها تلك الأقوام ، لا تُقارن مع ما تمارسه الأقوام المعاصرة هذه الأيام ، أفلا تستحق الأقوام المعاصرة الهلاك ؟ وإن كانت كذلك أليس هلاكها بقريب ؟!
ولو استذكرنا تاريخ الأمة الإسلامية ، سنجد أنها مُنيت بكثير من النكبات والمصائب ، كلما كانت تبتعد عن الآخرة وتلتصق بالحياة الدنيا . والحالة التي نعيشها الآن هي الأسوأ على مر التاريخ ، فنحن منغمسون في الحياة الدنيا من الرأس حتى أخمص القدم ، وأما الإسلام فهو مجرد شعار تسويقي ، نلبَسه كلما اقتضت الحاجة لذلك ... أفلا نستحق الهلاك ... أو الاستبدال .. أو التأديب على الأقل ؟! ولو ( بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ( 155 البقرة ) ؟! أو ( أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ ، أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ، أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا ، أوَ يُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ، انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65 الأنعام ) ؟!
وعلى ما يبدو أن إهلاك القرى سيبدأ بثلاثية الإفساد والظلم في الأرض ، على مستوى الديانات الثلاث اليهودية والنصرانية والإسلام ، متمثلة في إسرائيل وأمريكا ومصر ، ومن ثم بقية القرى المفسدة والظالمة تباعا ، على قاعدة الجزاء من جنس العمل بإذن الله ، وما ذلك على الله بعزيز .
( وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ )
قال تعالى ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ ، وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ ، وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ ، وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ، وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10 الأحزاب ) كان هذا حال صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام ، أكثر الناس إيمانا وعزيمة وصبرا وثباتا على دينهم ، لقد بلغ منهم الخوف مبلغا عظيما ، حتى ساورتهم الشكوك والظنون في غزوة الأحزاب ، عندما تألبّ عليهم من بأقطارها من ملل الكفر والشرك ، جمعتها الصهيونية اليهودية الحاقدة قديما لوأد دولة الإسلام الحديثة ، خوفا من ضياع السيطرة اليهودية على مجريات الأمور في الجزيرة العربية بإثارة الفتن والحروب بين القبائل ، حيث كان اليهود المرجعية الاستشارية لمشركي قريش وغيرهم من القبائل فيما يتعلّق بأساطير الأولين .
وفي العالم العربي والإسلامي شرقا وغربا ، يشعر الناس بالإحباط واليأس والخوف ، من الوضع المُتأزم الذي يعيشونه في السنوات الأخيرة إجمالا ، وفي هذه الأيام على وجه الخصوص ، وهم يشاهدون ما يجري على أرض الإسراء والمعراج وغيرها ، من هجمة شرسة شنها أوغاد الصهانية في الشرق ، مدعومين بأوغاد الصهانية من يهود ومسيحيين في الغرب ، حتى بدأ اليأس والقنوط من رحمة الله يتسرّب إلى قلوب الكثير منهم ، لدرجة أن منهم من ظنّ بالله ظنّ السوء ، بل ومنهم من كفر بالله ربّا وبالإسلام دينا في لحظة من اللحظات ، ومنهم من دعا على أهله وولده وعلى الشعوب العربية وحكّامها بالهلكة والخراب .
لمثل أولئك في هذا الزمان يقول سبحانه وتعالى ، قبل ما يزيد على 1400 سنة ، في كتابه المجيد في نهاية سورة النحل ، قبل أن يبدأ في الأخبار عن وعد الآخرة في السورة التي تليها : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ، وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ، وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)
وفي معرض تعقيبه على وعد الآخرة ، الذي نعيشه الآن بكل حيثيّاته ، يقول : ( وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ ، وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11 الإسراء ) ويقول أيضا في نفس السورة : ( وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا (83)ويقول في سورة فُصّلت : ( لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ ، وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (49)
وعَنْ صُهَيْبٍ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ . رواه مسلم .
كثير من الناس ، ببعدهم عن القرآن والسنة لا يفهمون الكثير من الغايات والمقاصد الإلهية ، من تصريف أمور الناس بالشكل المنظور والمحسوس ، وخاصة فيما يتعلّق بالابتلاء سواء بالخير أو الشرّ ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35 الأنبياء ) مع أن الله سبحانه وتعالى ، وضّح وبيّن في كتابه العزيز للمؤمنين ، أن عاقبة الأمور هي ما يجب أن نُركّز عليه أنظارنا وعقولنا وقلوبنا . وأن نعلّق آمالنا دائما وأبدا على العاقبة ، أي المنتهى الذي ستؤول إليه الأمور فيما بعد ، سواءً في الدنيا أو الآخرة مهما طال الزمن أو قصر ، وألا نعلّق آمالنا على الواقع الذي نعيش فيه ، فبعد غزوة الأحزاب التي زاغت فيها أبصار المؤمنين ، وبلغت قلوبهم الحناجر وظنوا بالله الظنون فُتحت مكة ، وكانت تلك الفئة المؤمنة الصابرة والثابتة ، هي نفسها التي قادت جيوشا زلزلت عروش أكبر دول الكفر والطغيان في ذلك الزمان .
كان يوسف عليه السلام قد أُبعد عن أبويه طفلا ، وأُخذ من قبل أُناس غرباء إلى أرض غريبة وبيع عبدا بدارهم قليلة ، وعاش غريبا حتى بلغ أشدّه ، واتُهم بمراودة زوجة سيده فألقي في السجن سنينا طويلة . ولكن بعد كل تلك المعاناة وفي نهاية المطاف كان الأمر مختلفا كليا ( وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56 يوسف ) وأما في الآخرة ( وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57 يوسف )
ويؤكد سبحانه بأن بداية التمكين ليوسف كانت منذ دخوله لبيت العزيز مع كونه دخله عبدا ( وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ … ) ولكنّ الناظر إلى يوسف عبدا سجينا قابعا في زوايا النسيان والإهمال ، ولو كان أكثر الناس تفاؤلا ، لم يكن يخطر بباله أن حال هذا العبد السجين المتهم بالخيانة ، سينقلب رأسا على عقب ، ليُصبح وزير مالية مصر أكبر دول العالم القديم ؟! ولكن حكمة الله اقتضت ، عكس ما قد يتصوّره أغلب الواقعيون من أُناس ذلك العصر ، وعلى رأسهم العزيز وامرأته . لذلك أكد سبحانه على أن الناس – خاصة غير المؤمنين بالله وصفاته جلّت قدرته – يُعانون في الغالب ، من قصر النظر والفكر بأنه قادر على تنفيذ مشيئته ، في أقسى الظروف وأحلكها واستحالتها مخالفا كل معطيات الواقع ، الذي يتذرّع به الناس هذه الأيام لذلك قال في تكملة الآية ( … وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21) وفي سورة الروم يُوضّح سبحانه حقيقة ما يعلمه الناس ويؤمنون به ، في قوله ( يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ، وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (7) وظاهر الحياة الدنيا هو الواقع المشاهد .
أما بالنسبة لواقع الأمة الإسلامية الحالي ، وما يواجهه الشعب الفلسطيني من معاناة ، من قبل المفسدون الصهاينة في الغرب والشرق ، فإن الله وعد المؤمنين بالنصر من عنده ، ووعد عدوهم قبل ثلاثة آلاف سنة بالعذاب إن أفسدوا في الأرض ، وقد أفسدوا فيها ما يزيد على خمسين سنة ، وبلغ إفسادهم هذه الأيام عنان السماء ، فهذان وعدان صدرا ممن لا يخلف الميعاد ، ولكن الأمر يحتاج إلى الإيمان بالله والصبر والثبات على الدين ، وعلى صبرهم وثباتهم في مواجهة عدوهم مع حسن الظن بالله رب العالمين .
يقول سبحانه في شأن المفسدين في الأرض مخاطبا رسوله وأمته ( وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ ، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ، وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ ، كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (47 الحج ) وقال ( فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ، وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ ، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ (35 الأحقاف ) .
هذه الأيام ، يأسَ الناس من الشرّ فهم يستعجلون زواله ، ورغبوا في الخير وهم يستعجلون إطلاله ، فقد استقوى الباطل وزادت سطوته وغاب الحقّ وطالت غيبته ( فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11 غافر ) ؟ !
الفرق بين المواقيت بين التقدير السماوي والتقدير الأرضي :
عادة ما يشعر الإنسان في حالات الفرح ، بأن الزمن ينقضي كلمح البرق ، فالأسبوع يمرّ وكأنه يوم ، واليوم وكأنه ساعة ، والساعة وكأنها دقيقة ، أما في حالات الفراغ أو الحزن فيشعر بأن الزمن يسير ببطئ شديد ، ويكاد أن يتوقف ، فالدقيقة تمرّ وكأنها ساعة ، والساعة وكأنها يوم ، واليوم كأنه شهر ، فالإحساس بالزمن أمر نسبي ، يعتمد على الحالة النفسية التي تعتري الإنسان بين حين وآخر .
وحتى لا يتخبّط الإنسان في تقديراته للزمن تبعا لحالته النفسية ، اتُخذت الأيام والشهور والسنون ، وهي مقاييس ثابتة ومنتظمة ، لاعتمادها على الحركة المنتظمة والثابتة للأجرام السماوية ، التي أبدعها رب هذا الكون . وبقيت مسألة كيفية تقدير الزمن بالنسبة لليوم الواحد ، فاصطلح على تقسيم اليوم إلى 24 ساعة ، والساعة إلى 60 دقيقة ، والدقيقة 60 ثانية .
ويرى كثير من المسلمين أن فترة الظلم والإفساد على الأرض طالت جدا ، وربما ستطول أكثر عند البعض . ونقول هي في الميقات السماوي قصيرة جدا ، ولتوضيح الفكرة وتقريبها إلى الأذهان ليس إلا سنقوم بعملية حسابية بسيطة .
اليوم في الميقات السماوي = 1000 سنة ، واليوم في الميقات الأرضي = 24 ساعة
فإذا قمنا بقسمة 1000 سنة على 24 ساعة ، سنكون قادرين على التوصل لمعرفة نسبية لمقدار الساعة الواحدة في الميقات السماوي :
1000 ÷ 24 = 41,6 سنة
إذن الساعة الواحدة في الميقات السماوي تقابل 41,6 سنة أرضية
أي أن الساعة في الميقات السماوي ، تُقابل 42 سنة تقريبا بالمقارنة مع الميقات الأرضي
ولحساب عمر الدولة اليهودية على سبيل المثال بالميقات السماوي ، وبما أن العمر المتوقع لها هو 60 سنة ، نجد أن :
( 1 ) ساعة سماوية : 41,6 سنة أرضية
( س ) ساعة سماوية : 60 سنة أرضية
ومن خلال الضرب التبادلي :
نجد أن ( س ) = ( 60 × 1 ) ÷ 41,6 = 1,44 ساعة سماوية
أي أن عمرها ، هو ساعة واحدة و 0,44 من الساعة . وبما أن الساعة لدينا ، تتكون من ( 60 ) دقيقة .
فإن 0,44 من الساعة = 0,44 × 60 = 26,4 دقيقة .
ليتبين لنا أن إحساس أهل السماء بانقضاء 60 سنة أرضية ، يُماثل إحساسنا بانقضاء ساعة واحدة وست عشرين دقيقة فقط على الأرض ، وهو زمن قصير جدا بالنسبة لأهل السماء ، وطويل جدا بالنسبة لأهل الأرض .
لذلك يشعر الناس على الأرض بطول الزمن وامتداده ، فتجدهم يستعجلون الوعود الإلهية بإهلاك القرى الظالمة وبنصر المؤمنين ويعجبون من تأخّرها ، وأما أهل السماء فهم على العكس تماما ، يرون أن العذاب أو النصر يتنزل على الناس بسرعة كبيرة جدا ، وأن الأحداث تجري كلمح البصر وهذا ما يؤكده الإخبار الإلهي عن الساعة في القرآن ، حتى ظنّ صحابة رسول الله من كثرة ما أكّد سبحانه وتعالى على قربها أن ستقع في زمانهم ، لذلك كان الناس آنذاك يكثرون السؤال عنها إشفاقا من أمرها ، وها قد مرّ أكثر من 1400 سنة ولم تقم بعد ، وهذه الحقيقة هي ما يُقرّره سبحانه وتعالى في مطلع سورة المعارج ، حيث قال ( سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (3) تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4) فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7 المعارج )
وقال تعالى
( فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ )