المسيحيـة المتصهينة ... اصولهـا و جذورهـا ( تأثيرالمسيحية الصهيونية في السياسة الأميركية )
( الجزء السابع )
شبكة المنصور
نبيل ابراهيم
اعتاد الناس في عالمنا العربي الإسلامي أن يفسروا التحيز الأميركي لدويلة الكيان الصهيوني بأسباب سياسية وإستراتيجية، مثل المال اليهودي المؤثر في الحملات الانتخابية، والإعلام اليهودي المتلاعب بالرأي العام الأميركي، والصوت اليهودي الموحد في الانتخابات، ثم موقع الصهاينة كرأس حربة في المنطقة العربية، ذات الأهمية الإستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة.لكن كل هذه التفسيرات تبدو سطحية وبعيدة عن الدقة، أو هي على أحسن تقدير ليست سوى مظاهر تعبرعن ظواهر أعمق وأرسخ.فالمال اليهودي في الانتخابات لا يصلح تفسيرا للإجماع السياسي الذي يحظى به دعم الدويلة الصهيونية في الأوساط السياسية الأميركية، حتى تنافس فيه المتنافسون من كل ألوان الطيف السياسي. إضافة إلى أن في أميركا من أهل الثراء غير اليهود ما يكفي وزيادة لمعادلة المال اليهودي. والإعلام الصهيوني لا يكفي تفسيرا لانحياز شعبي كامل يبلغ درجة الاعتقاد، بل هو اعتقاد ديني عميق في بلد فيه من التعددية الإعلامية ما يكفي لبلورة رأي مخالف لو كان له أنصار. وموقع إلصهاينة في المنطقة العربية لا يكفي لتفسير التحيز الأميركي. فقد كان الصهاينة دائما مصدر حرج للنفوذ الأميركي في المنطقة العربية، أكثر من كونها مصدر دعم، إضافة إلى أن بعض حكام الدول العربية أغنوا أميركا عن دويلة الكيان الصهيوني في هذا المضمار أما الصوت اليهودي فليس موحدا بالطريقة التي يتخيلها البعض، بل فيه تعدد وتباين واختلاف. كما أن التحيز لدويلة الكيان الصهيوني أعمق وأرسخ في بعض الولايات الأميركية التي لا تكاد توجد بها جالية يهودية أصلا.
فعلى سبيل المثال فأن ولاية (مينوساتا) الأميركية يمثلها يهودي دائما في مجلس الشيوخ منذ عام 1978 رغم أن عدد اليهود بها لا يتجاوز 1% وقد افتخرت صحيفة (جيروسالم بوست) الصهيونية مؤخرا بأن ولاية (مينوساتا) الأميركية يمثلها يهودي دائما في مجلس الشيوخ منذ عام 1978 ويكفي أن نعرف أن نسبة اليهود في أميركا أقل من 3%، وأن نسبتهم في مجلس الشيوخ 10% لندرك أن الصوت اليهودي ليس أهم عامل هنا, ولهذا فإن الرجوع إلى التاريخ والتعمق في الخلفية الدينية المؤطرة للعلاقات بين أميركا واليهود، هو وحده الذي يقدم تفسيرا مقنعا لتلك العلاقات.
منذ أن فكر كريستوف كولومبس بالإبحار غرباً أواخر القرن الخامس عشر ادعى أمام ملكة إسبانيا إيزابيلا أن الذهب الذي سيجلبه سوف يستخدم لتحرير القدس من المسلمين، ولإعادة بناء هيكل اليهود في القدس. وقد دعمت إيزابيلا رحلته التي أدت إلى اكتشاف أمريكا. وعندما بدأت جحافل الإنكليز تبحر باتجاه أمريكا كمستعمرين في القرن السابع عشر (بعد أن ضعفت هيمنة إسبانيا الكاثوليكية)، كان البروتستانت في طليعة المهاجرين هرباً من الاضطهاد الديني، وطمعاً في الغنى والحياة الأفضل. وهؤلاء البروتستانت الإنجليكان وتفرعاتهم كالمعمدانيين والبيوريتانيون (المتطهرون) حملوا مفاهيمهم إلى أمريكا وكانوا هم المؤسسون للعقلية الأمريكية. وكانت طائفة المتطهرين مهووسة بفكرة الأمة الطاهرة وبالألفية السعيدة، وكانت حاقدة ومعادية للكاثوليك لأنهم اضطهدوهم في أوروبا. لقد عدوا أنفسهم كاليهود شعب الله المختار وأمريكا هي أرض كنعان، وبالتالي عليهم أن يقضوا على الكنعانيين (الهنود الحمر) لأنهم وثنيون وكما أمرهم ربهم في التوراة وطائفة المورمون عدت نفسها وهي في الصحراء الأمريكية بأنها بنو إسرائيل في تيه سيناء (قتل المستعمرون الأوروبيون مئة مليون هندي أحمر تحت غطاء الخزعبلات الدينية، بينما الحقيقة قتلوهم ليستعمروا أراضيهم) كان المستعمرون الأوروبيون يجسدون العهد القديم في حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم وحتى أسماء أبنائهم وبناتهم، ومستعمراتهم. وكانت العبرية اللغة المقدسة عندهم).
حمل غالبية المهاجرين الأوروبيين إلى الأراضي الأمريكية العقيدة البروتستانتية الأصولية التي كانوايحاولون تطبيقها في مجتمعاتهم ولم ينجحوا. ومنذ بداية تأسيس الدولة الأمريكية في القرن الـ17لعبت الرؤى الأصولية المسيحية البروتستانتية دورا كبيرا في تشكيل هوية الدولة. وتأثرت العقيدة البروتستانتية كثيرا باليهودية، ونتج عن هذا التأثر تعايش يشبه التحالف المقدس بين البروتستانتية واليهودية بصورة عامة، وخلقت علاقة أكثر خصوصية بين الصهيونية اليهودية والبروتستانتية الأصولية.وتتميز البروتستانتية في الولايات المتحدة بصفتين يمكن من خلالهما فهم محاور حركة المسيحية الصهيونية:
ـ هيمنة الاتجاه الأصولي على البروتستانتية.
ـ سيطرة التهود على الأصوليين البروتستانتيين.
وفي أربيعينيات القرن الثامن عشر وفي زخم الصحوة الدينية التي شهدتها أمريكا وقتئذ أطلقت المسيحية اليهودية الأمريكية كحركة صهيونية مسيحية سبقت الصهيونية اليهودية التي نشأت في مؤتمر بازل سنة 1897 وأمرت بالاستيطان في فلسطين واحتلالها, ومما جاء في كتاب (المسيح اليهودي ونهاية العالم) هذه المقولة ((...التوراة في المعتقدات الامريكية هي مصدر الايمان ولغتها وخيالاتها وتوجيهاتها الاخلاقية وتشكل جزءا لا يتجزأ من الشخصية الامريكية والانبياء والكفار والملوك والعامة الذين عاشوا في اسرائيل القديمة منذ قرون عديدة وقد نهضوا للقيام بادوار معاصرة في التاريخ الامريكي...)) ,
أن دور الكنيسة في الحياة الأمريكية وتأثيرها في الثقافة العامة والسياسات العامة تختلف تماماً عما هي في أوروبا؛ ففي أمريكا ترتدي الكنيسة كساء من نسيج وزخرفة أمريكيين؛ فمثلما يتصف الأمريكي بأنه في حالة تغيير وإصلاح مستمرة، فالكنيسة كذلك أيضاً.ففي هذا المجتمع الحر والمتعدد المذاهب تجد الكنيسة نفسها أكثر انطلاقاً في التعبير عن نفسها في قضايا المجتمع المختلفة، كما أنها تستخدم نفس الأساليب والوسائل التي تستخدمها المنظمات والمؤسسات غير الدينية للتأثير على السياسات العامة، وبخاصة ممارسة الأساليب المسماة بممارسة الضغط (نظام اللوبيات), ولا تقف الكنيسة الأمريكية في تحديد إطارها عند مجرد قادتها من رجال دين وأساتذة لاهوت وإداريين ومشرفين أو عند أتباعها، بل هي نظام شمولي الأغراض والنشاطات والعلاقات ورسالتها الدينية غير منفصلة عن الحياة العامة، وغدت حياتها الداخلية مجتمعاً سياسياً له القوة الاجتماعية الضرورية في صنع القرار السياسي، فهي تزود الناس بالمبادئ والإرشادات لمساعدتهم في اتخاذ قراراتهم، ولكونها منظمة مؤسساتية ، فهي تساعد أتباعها ومستمعيها في تنمية تعاطفهم وتعاملهم مع المسائل السياسية.
لعبت الكنيسة المورمانية الدور الخطير في إحياء المنظمات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة فأرسلت جوزيف سميث تلميذ (أوريسون هايد) إلى القدس من اجل استكمال (النبوءات التوراتية) ببعث (إسرائيل) من جديد عام 1840 ، ومن خلال كتاب سري له طابع رسمي حمله هايد نفسه من وزير خارجية الولايات المتحدة شخصياً لحاخامات القدس ,إضافة لكتاب سري آخر من حاكم ولاية (أيلينوي) بأن يقوم قنصل السفارة الأمريكية في القدس بدعم الاستيطان اليهودي في فلسطين بأي شكل حتى وإن كان ذلك من خلال الدسائس والفتن وذلك في العام 1850 أي بعد عشرة أعوام من بناء أول مستوطنة زراعية (لليشوف) في ضواحي القدس ، وعمل على تأسيس مستوطنات جديدة، ودعا اليهود للهجرة من خلال تشجيع ما يلي :
ـ إقامة الحفلات الرسمية وغير الرسمية تحت إشراف الصهيونية سراً مع استخدام العلَم البريطاني
ـ عقد ملتقيات الصداقة والمحبة والأنشطة السياحية ولجان الآثار والإستشراق بتشجيع قوي من أوربا وأميركا .
ـ دعم نشاطات الكنيسة البروتستانتية في الدول العربية (الجامعات الأميركية)، خاصة وإن اليهود يعتبرون المسيحية البروتستانتية هي الفكر الأسمى لهم لان اليهودية تطرح (الحريديم) على أنها مسألة لاهوتية بالنسبة لألمانيا ومسألة تحرر ذاتي سياسي بالنسبة لفرنسا ومسألة علمانية بالنسبة لأميركا وعلى اثر النشاطات اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة توفر لها مناخ العداء القومي والعرقي والديني وحظيت معظم الصحف والمجلات ووسائل الإعلام والمؤسسات الأميركية باستشارات ونفوذ قوي للمنظمات الصهيونية من مثل اتحاد العمل الأميركي،المؤسسة الثقافية الأميركية،اللجنة الاقتصادية الأميركية،اتحاد الذهب، اتحاد النحاس، مدرسة راند، مؤسسة العمل الأميركي، صناديق الدعم المالي البوند /س/ نيتشر، اليهود في كندا وشمال أميركا، الكونجرس الأميركي، الكومنولث الصهيوني الأميركي والوحدة الطبية الأميركية واتحاد الشباب الصهيوني، ولجنة الطوارئ الصهيونية الأميركية ، ومنظمة جونيت العالمية ، إضافة للشركات المتفرعة عن اندماج شركات آل روتشيلد وآل لازار في أوربا وأميركا المسماة (فوق القومية) ومن فروعها شركة ( فيليب العالمية) التي تساند دويلة الصهاينة بصنع التقنيات الحديثة في مجال القوة الجوية والطاقة النووية إضافة للكارتل النفطي في أميركا اللاتينية (ستاندارد أويل أوف انديانا).
وبهدف إنجاح الدعاية الصهيونية على المستوى العالمي وتضليل الرأي العام الأمريكي شكلت (لجنة البحث اليهودية العالمية) التي تتقصى وتلاحق كل من يكتب ضد اليهود والصهيونية في العالم وكان مديرها (موشي ديكتو) وتقوم بمراقبة كل ما يتعلق بالمسألة اليهودية في أوربا الشرقية والغربية، إضافة للدول العربية والإسلامية وضغطت اللجنة على عضو المحكمة العليا أو دوجلاس وعلى عدد من رجال الدين والسياسة للترهيب والترغيب حتى أنها تتعاون مع المافيا والمنظمات الصهيونية العسكرية واليمينية المتطرفة لوضع شخصيات يهودية في الولايات المتحدة في المواقع المتنفذة، ولعب مدير المركز الروسي في جامعة هارفرد د. س. جوريفتنس دوراً في إنجاح خطط لجنة البحث اليهودية العالمية حتى أنها تمكنت من جذب ميخائيل جورباتشوف إلى مراكز الأبحاث الأميركية كمتواطئ مع لجنة البحث اليهودية وهم بذلك يعملون في مختلف مجالات العلوم ، والتكنولوجيا والسياسة ، والاقتصاد، والبيئة حتى أنها قامت بأذرعها الضاربة بقتل عشرات العلماء العرب الذين تخرجوا من الجامعات الأميركية وبرتب ومراكز علمية رفيعة، ويعود أيضا آل لازار وفريد لازار نائب رئيس اللجنة الصهيونية ـ الأميركية المسيطرة على كل ما يتعلق بالحياة السياسية والاقتصادية والثقافية في أميركا اللاتينية ويتعاونان مع لجنة البحث من خلال الاحتكارات العالمية (جنرال الكتريك)و(تشيز مانهاتان) ودور المسرح والأوبرا والجانجستر(دور القمار) في الولايات المتحدة وأميركا الوسطى والجنوبية.
ومنذ ظهور الولايات المتحدة أغرم القادة الأمريكيين الجدد بهذا المذهب الذي يضفي الكثير من الهيبة الدينية على كل شيء وفي الوقت ذاته تتماشى أفكاره مع قيم الحرية والليبرالية التي قامت الولايات المتحدة في أوائل أيامها على أساسها، وقام رؤساء مثل توماس جيفرسون بتحدي الآباء الأوائل المؤسسين للدولة الأمريكية وعلى رأسهم جورج واشنطن لفرض هذا المذهب على الكنيسة الأمريكية و من شدة تأثير و الفعل اللذين تركهما هذا الكتاب في الذهن البروتستانتي , ان المهاجرين الاوائل اطلقوا على مستوطناتهم اسماء توراتية , فشاعت اسماء مثل صهيونو حبرون و سالم و عدن و اورشليم الجديدة و ...و سمّوا ابناءهم باسماء آباء التوراة و ابطالها .
يعد الفكر السياسي الأمريكي نتاج ثقافة توراتية صارمة ، تعود للقرن 16م ، لكونه ولد من رحم حركة الإصلاح الديني في أوربا ، تلك الحركة التي تزامن ظهورها مع اكتشاف القارة الأمريكية . ولعل إطلالة سريعة على الحراك الثقافي والسياسي للبروتستانت منذ هجرتهم من أوروبا إلى أمريكا وحتى وقتنا الحاضر تكشف الغموض المصطنع للسياسة الأمريكية ;كذلك فقد كان المهاجرون البروتستانت الأوائل يؤدون صلواتهم باللغة العبرية ، ويطلقون على أبنائهم وبناتهم أسماء أنبياء ، وأبناء وبنات بني إسرائيل ، الوارد ذكرهم في التوراة ، كما قاموا بفرض تعليم اللغة العبرية في مدارسهم. وعندما أسسوا جامعة (هارفارد) عام 1636م كانت اللغة العبرية هي اللغة الرسمية للدراسة في الجامعة ، وفي عام 1642م نوقشت أول رسالة دكتوراه في جامعة (هارفارد) وكان عنوانها (اللغة العبرية هي اللغة الأم),
يقول الكاتب جورجي كنعان في كتابه المسيحية المتصهينة ((...و بلغ من تأثير العهد القديم على الرواد الاوائل في امريكا حدا جعل اعضاء اللجنة التي شكلت عام 1776 في الولايات المتحدة الامريكية , للتوصية بشعار رسمي للأمة الوليدة , يركزون على شعار مستوحى من ملحمة بني اسرائيل الدينية , فاقترح بنيامين فرانكلين رسما يمثل موسى و هو يفلق البحر بعصاه , و يغرق في مياهه فرعون مصر و جيشه بعد عبور بني اسرائيل سالمين , و اقترح توماس جفرسون ( اصبح رئيسا للولايات المتحدة 1797 – 1801 ) فأيد اقتراح جيفرسون على اعتبار ان عمود السحاب رمز لعلو بني اسرائيل , و عمود النار رمز لبني اسرائيل ايضا في رفعهم و هذا هو شعار الولايات المتحدة الامريكية المستوحى من الملحمة الاسرائيلية, وفي عام 1776م اقترحت اللجنة المشكلة لتصميم شعار أمريكا أن يكون الشعار مستوحى من التوراة... )).
ومع تزايد الاهتمام باليهود قامت أمريكا في عام 1844م بفتح أول قنصلية لها في القدس ، وهناك بدأت تقارير القنصل الأمريكي تتوالى على رؤسائه ، وقد كانت تتمحور حول ضرورة التعجيل في جعل فلسطين وطناً لليهود. وفي عام 1891م قام القس (ويليام بلاكستون) بعد عودته من فلسطين برفع عريضة إلى الرئيس الأمريكي (بنيامين هاريسون) دعاه فيها إلى الاقتداء بالإمبراطور الفارسي ( قورش) الذي أعاد اليهود من السبي البابلي إلى فلسطين كذلك قام (بلاكستون) بعد انعقاد المؤتمر الصهيوني اليهودي الأول عام (1897م) بتوجيه انتقاده إلى زعيم المؤتمر ( تيودور هرتزل) لأنه وجد منه تساهلاً في إقامة الدولة اليهودية في فلسطين.
في القرن العشرين ترسخت الصهيونية المسيحية بصورة كبيرة جدا في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما بعد إنشاء دويلة الكيان الصهيوني, وتُرجمت بعض الآيات الدينية بعد أن حرفت تفاسيرها الروحية ترجمةً سياسية مباشرة صبّت بقوة في دعم الدويلة الصهيونية. واستخدم الصهاينة المسيحيون الأمريكيون وسائل الإعلام الجماهيرية بشكل منقطع النظير لنشر أفكارهم وأوهامهم وأحلامهم ومعتقداتهم, فإذا أخذنا على سبيل المثال، نهاية العالم كما تتصوره الصهيونية المسيحية، وجدنا فيه بعض الملامح التي ترافق الغزو الأمريكي الحاصل حالياً على العراق، وقبل ذلك، بعض الملامح ردّ الإدارة الأميركية الحالية على أحداث 11 أيلول 2001، وذلك بشن حملة إرهاب في العالم أجمع تصدياً على حد زعمها للإرهاب الذي طالها.هذا وإن نهاية العالم على الطريقة الأمريكية الصهيونية تستند شكلاً على بعض أسفار العهد القديم، كسفر حزقيال وسفر دانيال، ومن العهد الجديد على سفر رؤيا يوحنا، وتستنتج أن العالم كما نعرفه قد أشرف على النهاية، وأن ألفاً من السنين سيبدأ بعد هذه النهاية، وهو يتميّز بالسلام ووفرة الخيرات والأخوة بين الناس، وسيحل السلام بين الحيوانات أيضاً. العالم آتٍ إلى نهاية لا بفعل جنون جنرال أو سياسي يشعل الحرب النووية، بل لآن هذا هو قصد الله. نهاية العالم ليست مدعاة للقلق بنظر الألفيين لأنها تمهّد لمجيء المسيح الثاني، لكن قبل هذا المجيء على بعض الأحداث أن تقع، إنها علامات الأزمنة، أي تبشير العالم، وعودة اليهود، وإعادة بناء دولة الصهيونية، وظهور المسيح الدجال، وموجة من الصراعات . كل هذا يتوّج بمعركة هرمجدّون وهي قرية مذكورة في سفر الرؤيا، وتقع في شمال القدس حيث تُزَجُّ الأمم الكبيرة في معركة بين الحق والباطل، وعند اقتراب إفناء العالم، يظهر المسيح. وهناك أكثر من رواية تفصيلية لهذا الحدث الانقضائي، لا مجال لذكرها هنا، لكن المهم في هذا التصور الرؤيوي أن السلاح النووي يصبح عندئذٍ أداة لتحقيق مقاصد الله، وأنّ الميل إلى تفسير أحداث السياسة الدولية بمنظور نهاية العالم يصبح مشروعاً، لا بل ضرورياً، علماً أن دعاة الألفيّة مجمعون على اعتبار الشرق الأوسط مسرحاً للحرب، الكارثة المذكورة أعلاه.
تقول الكاتبة هيلينه كوبان ((...قرأنا جميعاً التحليلات الإخبارية التي تشير إلى أن أقوى دعم سياسي حصل عليه أرييل شارون في الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن من الطائفة اليهودية الأمريكية، ولكن من الجمعيات القوية لليمين المسيحي، هل هذا يعني أن جميع المسيحيين تقريباً في الولايات المتحدة أصبحوا ضد المصالح الفلسطينية والإسلامية والعربية ؟ وهل يعني هذا أن المجتمع الأمريكي على وشك أن تسيطر عليه الرغبة القوية ليحوِّل مواجهة دولته مع المجتمع الإسلامي إلى حملات صليبية عدائية؟ لحسن الحظ فإن الحالة داخل المجتمع الأمريكي ليست سيئةً لهذا الحد. فمع أن جمعيات اليمين المسيحي قوية إلى أنها ليست على وشك أن تسيطر على كل المجتمع الأمريكي ومن المفيد أن نذكر هنا أن نسبةً صغيرةً فقط من المسيحيين الأمريكيين تدعم برنامج الشرق الأوسط للجمعيات التابعة لليمين المسيحي، غير أن المشكلة تكمن في أن اليمين المسيحي هو في أفضل درجات التنظيم، وله تأثير فعال في العمل السياسي، بينما الطوائف والجمعيات المسيحية غير اليمينية ليست بذات التنظيم الكبير، لكن هذا الوضع يجب أن يتغير...)). ما تقوله هيلينه كوبان هو عين الصواب. ففي الواقع تمثّل الصهيونية المسيحية عددياً نسبة ضئيلة ما بين الكنائس الأمريكية، لكنها نسبة فاعلة جداً، وتقود جماعات الصهيونية المسيحية جمعيات من المعمدانيين الجنوبيين، هذا ويشكل المعمدانيون بمجملهم مع الكنائس الأخرى ذات التوجه اليميني وليس فقط المعمدانيون الجنوبيون نسبة تبلغ حوالي 16% فقط من السكان، كما أن الكاثوليك يشكلون نسبةً تقارب 24% من إجمالي عدد السكان، أما الطوائف البروتستانتية الأربع الكبيرة غير المعمدانيين أي المثوديست واللوثريون والمشيخيون والإنغليكان أو الأسقفيون فإنها تشكل نسبة 15% من عدد السكان. ومن الأهمية بمكان أن هذه الطوائف الأربع بالإضافة إلى الكاثوليك والطوائف الأرثوذكسية هي متعاطفة عموماً مع القضية الفلسطينية وجميعها حتى كنيسة الميثوديست التي ينتمي إليها شكلاً المجرم جورج دبليو بوش قد أصدرت بيانات نددت فيها بالحرب على العراق ووصفتها بأنها حرب لا أخلاقية ولا شرعية ومدانة مسيحياً .اذن فمهما يكن من أمر فإن هذا التيار الأصولي المتعصب أصبح يؤثر على السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، من هنا خطورته.
إن جذور تاريخية و لاهوتية التحول المسيحي الغربي نحو تبني العقيدة الألفية والمجيء الثاني للمسيح ثم الانحراف الجديد الذي جاءت به حركة الإحتجاج الديني بزعامة مارتن لوثر في مطلع القرن السادس عشر وهذا التحول والانحراف اللاهوتي المسيحي كان له تأثير على المواقف السياسية الأمريكية وحقيقة العوامل المؤثرة في رسم السياسات الأمريكية منذ مطلع القرن الماضي سواء داخليا أو خارجيا وبدون قراءة واستيعاب هذه الحقائق سيظل الخطاب السياسي والإعلامي العربي تائها في صحراء الجهل المعرفي. والواجب هو العمل على اماطة اللثام حول اللغة والاستراتيجية التي ينبغي أن يتبعها الطرف الإسلامي تجاه الولايات المتحدة,و تحديد السياسية المطلوبة لإدارة هذا الصراع المصيري والتاريخي بيننا و بين الغرب من جهة و يهود من جهة أخرى باعتبارهما التجسيد السياسي لهذا الحلم الأسطوري التوراتي ـ بل وحتي الصليبي الأصولي الصهيوني ـ و أن تصاغ سياسات جديدة تماما في التعامل مع الشأن الأمريكي . ورغم أن الصهيونية المسيحية لم تختف تماما في العهود التالية، فإن عودتها الحقيقية إلى الساحة السياسية كانت عام 1948 عند الإعلان عن تأسيس دويلة الكيان الصهيوني، وزادت قوة بعد الاستيلاء الصهيوني على الضفة الغربية وقطاع غزة وشرقي القدس ومرتفعات الجولان السورية وصحراء سيناء المصرية عام 1967، حيث إن المجتمع البروتستانتي الأصولي نظر لهذا الحدث كتحقق لـ(النبوءة التوراتية) بانبثاق دولة يهودية بفلسطين. وفي هذا الإطار كتب مفكر مسيحي صهيوني مباشرة بعد الحرب في دورية المسيحية اليوم, ((... للمرة الأولى منذ أكثر من 2000 سنة القدس الآن في أيدي اليهود ما يعطي دارسي الكتاب المقدس إيمانا متجددا في دقته وصحة مضمونه...)).
أكدت دراسة للباحثين الأميركيين ستيفين والت وجون ميرشيمرعلى انه ((... بعد نهاية الحرب الباردة لم يعد هناك مبرر منطقي لاستمرار العلاقات الخاصة بين الولايات المتحدة ودويلة الكيان الصهيوني بشكلها الحالي، كما أن مبرر المبادئ الديمقراطية المشتركة لا يتماشى مع السياسات الصهيونية لما فيها من انتهاكات لحقوق الإنسان وللقوانين الدولية. وتوحي الدراسة بأن جذور خطر الإرهاب التي تواجه الولايات المتحدة اليوم متعلقة باستمرار الدعم الأميركي للكيان الصهيوني، وإن هذا الكيان المصطنع لم يعد (دولة بلا حيلة), نظرا لصعودها لمرتبة القوة العسكرية الأولى بلا منازع في المنطقة. وهذا ما يفرض البحث عن الأسباب الأخرى التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في تقديم الدعم لإسرائيل. تحالف اليمين المسيحي واللوبي الصهيوني, لذا فان تحالف اليمين المسيحي واللوبي الصهيوني (تصهين اليمين الامريكي) كان الحصول على دعم البروتستانت الأصوليين مهما بالنسبة للحزب الجمهوري، ثم أضيف إلى ذلك قناعة مفادها أن الحزب بحاجة إلى دعم الطبقات المتوسطة أيضا وليس فقط شريحة متدينة بعينها. لا يقتصر التحالف المسيحي الصهيوني على المسرح الأميركي، فعلاقة الحكومة الصهيونية بالمنظمات المسيحية الصهيونية تمثل بعدا هاما للحلف وكان هناك إدراك بأن السياسات الاقتصادية للجمهوريين تضر نفس الطبقات التي يسعى الحزب إلى كسب تأييدها، حيث إن الحزب متمسك بمبادئ الاقتصاد الحر ما يقلص من البرامج الحكومية التي تدعم الطبقات المتوسطة والمنخفضة الدخل. فما المبرر الذي سيقنعهم بتأييد الحزب الجمهوري رغم سياساته الضارة؟ ووجد الجمهوريون الإجابة فيما يسمى (المبادئ المسيحية) أو المبادئ الأسرية Family Values. وهكذا بدأ التيار اليميني يدعي أنه المحافظ الرئيس على الأخلاقيات المسيحية الأصيلة التي فقدت في المجتمع نتيجة صعود التيارات الليبرالية، وهكذا تحول الحزب الجمهوري من حزب الأثرياء إلى حزب الأخلاق المسيحية...)).
في حقبة السبعينيات والثمانينيات تحولت ظاهرة تصهين اليمين الأميركي، وتحالفه مع الصهيونية اليهودية إلى عنصر دائم في الواقع السياسي. وقبل عرض تفاصيل هذا التحالف يجوز ذكر النقاط التالية:
لا يقتصر التحالف المسيحي الصهيوني على المسرح الأميركي، فعلاقة الحكومة الصهيونية بالمنظمات المسيحية الصهيونية تمثل بعدا هاما للحلف. ويقال إن دور المنظمات المسيحية المتصهينة في جلب الدعم الأميركي لدويلة الكيان الصهيوني يرتفع عادة في أوقات حكم حزب الليكود. تحالف الصهيونية المسيحية مع الصهيونية اليهودية بالولايات المتحدة ليس تحالفا شاملا، فبعض عناصر اللوبي الصهيوني غير مرحبين بمشاركة الجانب المسيحي الصهيوني في دعم دويلة الكيان الصهيوني. بعكس الاعتقاد السائد، التيار المسيحي الصهيوني يمثل قوة سياسية مستقلة عن اللوبي الصهيوني من حيث الفكر الأيديولوجي والهوية ودوافع تقديم العون لدويلة الكيان الصهيوني
.التيار المسيحي-الصهيوني يمثل قوة سياسية مستقلة عن اللوبي الصهيوني من حيث الفكر الأيديولوجي والهوية ودوافع تقديم العون لدويلة الكيان الصهيوني وازدادت صلابة هذا التحالف قوة في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات عندما بدأت شخصيات بارزة من تيار اليمين المسيحي تقر علنا بأن دعم دويلة الكيان الصهيوني فرض ديني لكل مسيحي، فقد قال جيري فالويل مؤسس حركة الأغلبية الأخلاقية ((...إن الوقوف ضد دويلة الكيان الصهيوني هو كالوقوف ضد الرب، نحن نؤمن بأن الكتاب المقدس والتاريخ يثبتان أن الرب يجازي كل أمة بناء على كيفية تعاملها مع دويلة الكيان الصهيوني...)). وقد قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحم بيغن جائزة جابوتنسكي Jabotinsky لفالويل عام 1981 تقديرا لدعمه لدويلة الكيان الصهيوني. كما شهد عام 1980 تأسيس منظمة السفارة المسيحية العالمية بالقدس بهدف تقوية الدعم المسيحي العالمي لدويلة الكيان الصهيوني. وكانت القدس شهدت عام 1976 تأسيس منظمة جسور للسلام أو Bridges for Peace التي تصف مهمتها في تحقيق السلام على النحو التالي (نعطي من خلال برامجنا فرصة للمسيحيين، سواء داخل أو خارج دويلة الكيان الصهيوني ، للتعبير عن مسؤوليتهم الكتابية أمام الرب كأولياء للصهاينة وللمجتمع اليهودي).وكانت هناك عدة عوامل ساعدت على صلابة التحالف بين الصهيونية المسيحية والصهيونية اليهودية
أولا: ظهور اليمين المسيحي ما أدى إلى انتشار الفكر الصهيوني المسيحي داخل اليمين الأميركي.
ثانيا: نجاح جهود اللوبي الصهيوني بالولايات المتحدة في تقوية دعم واشنطن لدويلة الكيان الصهيوني بعد حرب 1967.
ثالثا: نجاح حزب الليكود في الفوز بأغلبية الكنيست عام 1977. ومن المعروف أن سياسات رئيس الوزراء الصهيوني بيغن للتوسع في بناء المستوطنات حظيت بتشجيع المسيحيين الصهيونيين الأميركيين، وربما كان استخدامه المتكرر للاسم التوراتي للضفة الغربية يهوذا وسامرة Judea and Samaria في تصريحاته ساعد على إحياء فكرة عودة المسيح وصلتها بقيام الدولة اليهودية عند اليمين المسيحي.
وكشف التحالف عن نواياه في أواخر السبعينيات، عندما أعلن الرئيس الأميركي آنذاك جيمي كارتر ترحيبه بفكرة إقامة دولة فلسطينية مستقلة، فقامت المنظمات اليهودية والمسيحية الصهيونية بإدانة تلك الفكرة من خلال إعلان نشر في الصحف الأميركية. أما الرئيس الجمهوري رونالد ريغان فكان من المؤمنين بالصلة بين إنشاء الدولة الإسرائيلية وعودة المسيح، وجاء ذلك في حديث دار بينه وبين مدير لجنة الشؤون العامة الصهيونية الأميركية (أيباك) الأسبق. وتشير دراسة لأستاذ العلوم الدينية بجامعة نورث بارك بشيكاغو دونالد واغنر إلى أن منظمات اللوبي الصهيوني مثل إيباك والمؤسسات المسيحية الصهيونية اشتركوا في تنظيم ندوات بالبيت الأبيض لحث إدارة ريغان على مساندة الموقف الصهيوني.
وحضر تلك الندوات قيادات التيار المسيحي الصهيوني مثل جيري فالويل وبات روبرتسون وتيم لاهاي وإدوارد ماكتير، ومستشار الأمن القومي الأسبق روبرت ماكفرلين، وأوليفر نورث عضو مجلس الأمن القومي في عهد ريغان. وفي واقعة تبرز قوة التيار المسيحي الصهيوني، يكتب واغنر أنه بعد تدمير دويلة الكيان الصهيوني للمفاعل النووي العراقي عام 1981 لم يقم رئيس الوزراء الصهيوني بيغن بالاتصال بالرئيس الأميركي، بل بأكبر زعماء اليمين المسيحي جيري فالويل طالبا منه أن يشرح للمجتمع المسيحي الأميركي أسباب الضربة الصهيونية للعراق.
ويضيف واغنر أن فالويل نجح في إقناع الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ جيسي هيلمز ليصبح مؤيدا للضربة الصهيونية بعدما كان من أكبر منتقديها. وهبطت قوة التحالف المتصهين في عهد الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون ولم تظهر له قوة كبيرة على السطح لعدة أسباب منها:
خلاف كلينتون مع منظمة أيباك قرر رئيس الوزراء الصهيوني آنذاك إسحق رابين أن يتعامل مباشرة مع الإدارة الأميركية دون عون منظمات اللوبي ما دفع الحلف الصهيوني إلى الهوامش.
لم يرض معظم أعضاء اليمين المسيحي عن نتائج مباحثات أوسلو ودعم البيت الأبيض لها.سيطرة حزب العمل على الكنيست أضعفت علاقة الصهاينة باليمين المسيحي المتصهين حيث إن الأخير عادة يفضل التعامل مع حزب الليكود. تأثير فوز حزب الليكود الصهيوني وبالتالي ساعد فوز الليكود بانتخابات 1996 على إعادة إحياء هذا التحالف، خاصة مع صعود بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة. وقد أقام نتنياهو علاقات وطيدة مع المنظمات المسيحية الصهيونية خلال خدمته مندوب دويلة الكيان الصهيوني الدائم بالأمم المتحدة في نيويورك. وعند بداية خدمته طلب نتنياهو من المنظمات المسيحية الصهيونية جمع التبرعات المالية لدويلة الكيان الصهيوني بعد انخفاض تبرعات المنظمات اليهودية الأميركية جراء خلافات اعترت المجتمعات اليهودية بأميركا. وقد شجع نتنياهو حلفاءه باليمين المسيحي على شن الحملات الإعلامية ضد مسيرة السلام. في هذا السياق قام نتنياهو بدعوة القيادات المسيحية الأصولية الأميركية لعقد مؤتمر بدويلة الكيان الصهيوني لإعلان دعم موقفها المعادي لعملية السلام. وعند عودتهم للولايات المتحدة شنت تلك المنظمات حملة إعلامية ركزت على انتقاد مقترح تقسيم القدس. كما رددت تلك المنظمات ادعاءات صهيونية عن سوء معاملة السلطة الفلسطينية للمسيحيين. نجد في عهد الرئيس بوش دورا ملحوظا للتحالف الصهيوني في تحديد مسار السياسة الأميركية عندما توقف بوش عن مطالبة إسرائيل بالانسحاب الفوري من الضفة الغربية عاد دور التحالف المسيحي اليهودي ليبرز مجددا ويقوى في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن، وينسب ذلك لعدة أسباب:
ـ تحكم الليكود في الحكومة الصهيونية ما قوى من دور المسيحيين الصهيونيين بالولايات المتحدة.
ـ نجاح الحزب الجمهوري في انتخابات 2000 ما قوى من نفوذ اليمين المسيحي ومنه التيار المسيحي المتصهين.
ـوقوع هجمات الحادي عشر من أيلول عزز الفكر المسيحي المتصهين، وساعد على تقوية التحالف بين المنظمات اليهودية والمسيحية بالولايات المتحدة كنوع من التصدي لخطر الإسلام الأصولي
وفي عهد المجرم بوش برز دور ملحوظ للتحالف الصهيوني في تحديد مسار السياسة الأميركية خاصة عام 2002، ومن أمثلة ذلك الحملة الإعلامية الشرسة التي شنها التحالف الصهيوني ضد دعوات المجرم بوش الصهاينة للانسحاب من الضفة الغربية، وأدت تلك الحملة إلى تراجع المجرم بوش عن موقفه والتوقف عن مطالبة الصهاينة بالانسحاب.وظهرت في السنوات الماضية منظمات يمينية مسيحية مؤيدة للصهاينة مثل (قف بجانب إسرائيل)Stand for Israel اوالتي أسسها أحد أعضاء اليمين المسيحي ويدعى غاري بوار.وقد حضر أول مؤتمر سنوي للمنظمة السفير الصهيوني في واشنطن دانيال أيالون وزير العدل السابق جون آشكروفت إضافة إلى العديد من أعضاء الكونغرس. فهي إذن خطوط بيانية صاعدة وهابطة في وجودها وتأثيراتها في المحيط الثقافي والسياسي الذي تعمل فيه.
ومن المؤشرات الثقافية الصهيونية في امريكا ما قاله الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر عن الاساس اللاهوتي والثقافي للانحياز الامريكي للصهاينة، وجاء في حديث له في الكنيست الصهيوني بمناسبة توقيع معاهدة السلام المصرية الصهيونية في مارس 1979((... لقد آمن واظهر سبعة من رؤساء الجمهورية ان علاقة امريكا باسرائيل اكثر من علاقة خاصة فهي علاقة متأصلة في وجدان واخلاق وديانة ومعتقدات الشعب الامريكي نفسه اننا نتقاسم معكم تراث التوراة...)). وقد جاءت شهادة كارتر هذه في خضم معركة الإحياء الديني التي شهدتها امريكا في الربع الاخير من القرن العشرين، فقد شهدت الولايات المتحدة ابتداء من عام 1976 بعد توسع دويلة الكيان الصهيوني من احتلالها لاراض عربية، ارتفاع صوت اليمين المسيحي وكان من مظاهر هذا الفكر الديني الجديد ان دخل ما بين 1/3 الامريكيين تجربة العمادة من جديد وكأنهم ولدوا من جديد لتجدد عمادتهم باعتقاد انها افضل من العمادة الاولى وتزايدت اعداد الاصولية، وانتشرت الشبكات التلفزيونية المبشرة باسم الكنائس التلفزيونية وانتشرت دعوة الاغلبية الاخلاقية والائتلاف المسيحي و الاحياء الاصولي و مجلس ابحاث العائلة وجمعية التركيز على العائلة وائتلاف القيم الثقافية.
مع تصاعد قوة ونفوذ الولايات المتحدة، ومع زيادة وزنها الاقتصادي والسياسي والعسكري، نشطت داخلها الحركة المسيحية الصهيونية ويبلغ عدد المنتمين إلى الكنائس الإنجيلية التي تعتقد بالمسيحية الصهيونية وضرورة قيام دويلة الكيان الصهيوني وبناء الهيكل تمهيدًا لعودة المسيح حوالي 77 مليون أمريكي ينتمون إلى 200 طائفة، وتمتلك هذه الاتجاهات في أمريكا العديد من قنوات التليفزيون حوالي 1400 محطة تليفزيون وإذاعة، وحوالي 4000 مقدم برامج، والعديد من الصحف ووكالات الأنباء، بل ومنهم العديد من الشخصيات الأمريكية البارزة، كان منهم الرئيس ريجان والقس سيجوارت والقس فالويل والقس بات روبرتسون، والعديد من أعضاء الكونجرس ودوائر النفوذ المالي والإعلامي والسياسي الأمريكي.
ويتأثر بهذا المذهب المجرم بوش الابن ووزير دفاعه رامسفيلد ووزير العدل أشكروفت، ويستطيع هؤلاء إقناع الـ 77 مليون من أتباعهم بأن دعم إلصهاينة واجب مسيحي، وكذلك يستطيعون إقناع عدد أكبر من غير أعضاء الكنائس الأصولية، أي أنهم عمليًا قادرون على خلق رأي عام واسع جدًا في أمريكا لتأييد دويلة الكيان الصهيوني ودعمها ناهيك عن النفوذ اليهودي التقليدي في الكونجرس والإعلام ودوائر المال. وعلى أي حال، فإن مجرد نظرة على المؤسسات التابعة للكنائس الإنجيلية التي تؤمن بالمسيحية الصهيونية يدّلنا إلى أي مدى وصل نفوذهم المالي السياسي والإعلامي في أمريكا، فهناك على سبيل المثال لا الحصر المصرف الأمريكي المسيحي من أجل إسرائيل، مؤتمر القيادة الوطنية المسيحية من أجل إسرائيل، منظمة جبل المعبد. وتبلغ هذه المنظمات في أمريكا عمومًا حوالي 250 منظمة تدير آلاف المصارف والصحف والمؤسسات المالية والإعلامية. وتبشر هذه المنظمات المسيحية بالعديد من المفاهيم داخل أمريكا وخارجها، فهي تؤمن بأن:
1ـ دعم اليهود هو التزام ديني ثابت وليس مجرد التزام سياسي متغير ومتحرك، كما تعتبر شرعية الدولة اليهودية مستمدة من التشريع الإلهي، وبالتالي اعتبار قيام الدولة تحقيقًا للنبوءات الدينية.
2ـ التشديد على أن أرض اليهود هي كل الأرض التي وعد الله بها إبراهيم وذريته، وبالتالي تشمل كل الأرض الموعودة من النيل إلى الفرات.
3ـ استمرار العمل بالشعار الذي يقول(إن الله يبارك إسرائيل ويلعن لاعنيها)، وبالتالي فإن دعم اليهود طريق إلى بركة الرب, بل إنه عندما يتناقض القرار الصهيوني مع مواثيق الشرعية الدولية أو القانون الدولي فإنه لا اعتبار لذلك، ويجب احترام القرار الصهيوني لأنه تعبير عن إرادة الرب, أما القوانين الدولية فإنها تعكس إرادة الإنسان، ومن الضروري احترام إرادة الرب إذا ما تناقضت مع إرادة الإنسان.
ختــــــامـا
اود التأكيد على ان الصهيونية والمسيحية نقيضان كما العنصرية والاصطفاء والاستعمار والاستكبار والظلم على نقيضٍ مع المحبة والتواضع والأخوة والعدل والحق والسلام. أما أن تَستخدمَ الصهيونيةُ الأمريكيةُ المسيحيةَ قناعاً ووسيلةً وتبريراً لمشاريعها فإن هذا الأمر حاصلٌ اليوم في أمريكا ، والكلمة الفصل هي قول السيد المسيح (من ثمارهم تعرفونهم). كما ويجب التأكيد على المسائل التالية:
أولاً إن ما يسمى بـ الصهيونية المسيحية لا يمت بصلةٍ إلى المسيحية بجميع كنائسها وطوائفها. إنها اقتناص للمسيحية لوضعها رهينة في خدمة مصالح الصهيونية، وهي تشويه مشبوه الغايات لبعض ما جاء في أسفار الكتب المقدسة.
ثانياً إنها مؤامرة حيكت ضد المسيحيين عامةً في العالم والمسيحيين العرب خاصةً، فهي تضرب كل مشروعٍ حواري ما بين المسيحية والإسلام، وتبرر أطروحات صراع الحضارات والأديان، ولا سيما المسيحية والإسلام، وهي تستهدف ضرب العيش المشترك الإسلامي المسيحي في دنيا العرب، ذلك العيش الذي مارسناه معاً، وما زلنا بحلوه ومره، منذ بداية الإسلام وحتى أيامنا هذه وبدون انقطاع.
ثالثاً إن هذا الأمر يطرح علينا جميعاً تحدياً كبيراً، وهو بناء الوعي الذي يمنع تزييف الدين واستخدامه في تبرير سياسات الظلم والعدوان أو إضفاء القدسية على أحلامٍ وأوهامٍ مدمرة.
ولعله من المهم أيضا ان نعرف ان تهويد المسيحية, يقسم المسيحية نفسها إلى فرقتين؛ فرقة تبقى متمسكة بمسيحيتها الشرقية الاصلية الحقيقية، تدرك أن المسيحية المتصهينة تضع المسيحية الحقيقية في قفص الاتهام، وتستعدي العالم عليها, ولكن النقطة الأخيرة تحتاج لعمل وجهد واستغلال للفرصة التاريخية القائمة، وإلا ضاعت كما ضاع غيرها, وأقل ما يمكن أن يفعل هنا هو كتابة الكثير من المقالات والدراسات الجادة التي توجه لمن يعرف ولا يحتاج لأكثر مما يعرف, فهل نعجز عن مثل هذا الجهد المتاح؟ وأختم بالمسك ليكون ختامها مسكا... وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون... فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعلَ الله فيه خيراً كثيراً.
ارجو ان اكون قد وفقت في ايصال فكرة التفريق بين المسيحية الحقيقية الشرقية وبين المسيحية المتصهينة الغربية
عاش العراق حرا عربيا ابد الدهر
عاشت المقاومة العراقية الباسلة بكل فصائلها وبكل صنةفها وبكل مسمياتها
عاش القائد العام لسرايا الجهاد والتحرير المجاهد عزت ابراهيم الدوري
المجد والخلود لشهداء البعث والعراق والامة العربية وفي مقدمتهم شهيد الحج الاكبر صدام حسين المجيد
عاشت فلسطين حرة ابية
الحرية لاسرانا في سجون الاحتلال