رسالة للسلطان (1).. أو الحنين للكلام..؟!!
12-04-2011 مصطفى هميسي
شدني الحنين لكلام لا أقيد فيه نفسي بميزان السياسة والساسة، ولا بما لا يغضب السلطان، ولا بميزان حساب الربح والخسارة، ولا بميزان التوازن والاعتدال، وبالتحايل في قول نصف كلمة مبتورة من سياقها خوفا أن يفهمها قراء السلطان فيأمر بعصر ما تبقى من حبر قلمي أو من دمي.
شدني الحنين لكلام يطلِّق النسبية وما هو مقبول بمعايير سياسية. كرهت أنصاف الكلمات وأنصاف الحقائق وأرباع الحلول. كرهت المضاربة السياسوية والتحاليل الفلسفية والمنطق، كرهت الزور والتزوير، مات الأمل في أمل يوقف نزيف المؤسسات وتبديد الثـروات ونزيف الحب بين الجزائريين والأمل في مستقبل قريب بلا قهر وبلا تعسف.
لسنين طويلة ظل يوقظني دوي القنابل وصوت الرصاص، يرسلني الحاجز للحاجز، وعند كل حاجز ريبة خوف وانتظار، عشت لسنين طويلة يفجعني كل يوم موت زميل أو جار، تدمير مصنع أو دار، اغتيال شرطي دركي أو مواطن أو مسلح متمرد فار. وظل لسنين طويلة يخنقني أمر السلطان الذي يأمرني أن أحزن لموت هذا ولا أذرف الدمع على ذاك، أن أنحاز لهذا ضد ذاك وظل يمنعني أن أنادي: بركات. لليوم مازالت الإدارات تهينني ورجل الأمن يعتبرني متهما والسلطة تعتبرني قاصرا بل وتعتبرني عميلا إن تماديت في انتقاد سلوكها وتصرفاتها.
لسنوات طويلة كان يذكرني دوي القنابل وصوت الرصاص، بأن كل شيء في بلدي في حاجة للإصلاح، ولليوم مازال سلطان البلاد وبلاطه مصممين على ''إصلاح'' كل شيء إلا أمر النظام والسلطة والثروة والقرار.
كل شيء في بلدي في حاجة للإصلاح إلا التعسف، فالسلطة لا تجد له أثرا، إلا القهر النفسي والمادي الذي لا ترى له أثرا، إلا الفقر الذي تشكر الشعب على تحمله.
كل شيء في حاجة للإصلاح، إلا كثـرة الضرائب على الناس واستحواذ العصب على المال والجاه إلا ما اتصل بعصابات العقار والإجرام.
شدني الحنين للكلام، لكن السلطان علمني منذ سنين أن الكلام في حاجة لقرار وأن لقمة العيش في حاجة لقرار وأن الريوع توزع بقرار وأن الثروة التي كانت نقيض الثورة، لم تعد اليوم عارا وهي السلطة والقرار!
كل شيء في حاجة للإصلاح في بلدي، لكن صاحب القرار يحرم السير في الشوارع إلا بقراره، يحرم التفكير إلا بمنطقه والكلام إلا للتسبيح بحمده، وأن تصلي خلف إمام أولي الأمر وأن لا تستمع إلا لخطيب أولي الأمر.
لا تتعب نفسك في تأليف الأحزاب والجمعيات فالسلطان يؤلفها لك، لا تفكر فصاحب السلطة يوظف من يفكر نيابة عنك ومن يقرر نيابة عنك.
السلطان يرفض في بلدي كل معارضة له، إلا ما يراه مطاقا ومعقولا. لسنين طويلة كانت المعارضة بالكلمة محرمة والمعارضة بالسلاح جريمة والمعارضة في إطار القانون مرفوضة وخارج القانون ممنوعة.
أنت إسلامي معارض أو ديمقراطي معارض أو إصلاحي معارض أو يساري معارض إذا لا بد أن تقصى، أما ما عدا ذلك فكن إسلاميا غير معارض أو ديقراطيا حليفا أو يساريا مهادنا أو بلا لون أو طعم أو رائحة. كن مقاولا سياسيا أو كن من عصب المال والجاه، فلا حرج عليك وأنت الذي تجسد الديمقراطية والتعددية وبك تكون الانتخابات حرة وذات مصداقية!!
أيها السلطان أنا مثل الملايين في بلدي أختنق منذ سنين، يعصر الحزن قلبي، نفسي المقهورة ثائرة داخل القضبان التي أعليتها داخل أسوار الظلم والحفرة، في شوارع الفقر والقهر.
شدني الحنين للكلام ولكن صودر صوتي مرات ومرات خدعني الكلام المعسول مرات ومرات وخدعني الحديث عن انتظار القضاء على المتمرد وعلى المعارض المتطرف، فتم ''تعليب'' الحياة السياسية في ''عرائس!!'' لا تتقن الرقص ولا ترفه عن الناس بقدر ما تزيدهم نغصا وكآبة..
للسلطان أقول ولا داعي للتساؤل من السلطان: على الرغم من غشاوة الغي التي تغطي أبصار وبصائر أصحاب السلطة والقرار، فإن قلبي ينبض بحب لا ينضب لوطني وإن بتروا لساني وقطعوا حبالي الصوتية، فإن عقلي ثائر لا يروض ووجداني لن يتسرب له، مثل الكثير من الجزائريين، اليأس في التغيير والديمقراطية وفي الإصلاح والحرية.