طبيعة الكيان الصهيوني
لكي نستطيع أن نواجه التحدي الصهيوني، الذي يمثل رأس الحربة الشيطانية، بتحدٍّ مكافئ له ينبغي علينا أن ندرس طبيعة هذا الكيان؛ من حيث نشأته، ومن حيث طبيعته، ومن حيث توجهاته.
المجتمع التوراتي تستطيع أن تقرر - بكل حزم - أن المجتمع الصهيوني هو مجتمع توراتي تمامًا؛ من حيث نشأته، ومن حيث طبيعته، ومن حيث توجهاته، ولا داعي أن نكرر أن الصهاينة يلغون النصوص ويحرفونها ليؤيدوا وجهة نظرهم، فهذا ليس من موضوع بحثنا. ومسألة توراتية المجتمع الصهيوني واضحة تمام الوضوح في كل قواه السياسية، وكافة الاتجاهات من يمين ويسار وحتى ملحدين. «نشأ هذا البلد تنفيذًا لوعد العرب ذاته، ولهذا لا يصح أن نسأله إيضاحًا عن شرعية هذا الوجود».
جولدا مائير في تصريح لها لـ«لوموند» الفرنسية بتاريخ 15 مايو عام 1971م [لاحظ أن جولدا مائير رئيسة حزب العمل الإسرائيلي]: «لقد وُعِدْنَا هذه الأرض، ولنا الحق فيها». بيجين في أوسلو، ونشرته صحيفة دافار عدد 14 ديسمبر سنة 1978م وبيجين من كتلة ليكود: «إذا كنا نملك التوراة، وإذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة، فينبغي أن نمتلك أيضًا بلاد التوراة، بلاد القضاة، أرض أورشليم وحيرون وأريحا وأماكن أخرى».. تصريح موشى ديان لجيروزاليم بوست في 10 أغسطس سنة 1967م.
وهكذا يتردد دائمًا على ألسنة الزعماء الصهاينة نفس الشعارات، سواء أكانوا من اليمين أم من اليسار، أعضاء في حزب العمل أو في كتلة ليكود، ناطقين باسم الجيش أو باسم الحاخامية. التوراة ترسم كل شيء في إسرائيل ترسم ثقافة الأطفال في المدارس بناءً على توجيه بن جوريون؛ فإن الدين اليهودي في إسرائيل يدرَّس كمادة إجبارية في الدراسة. الزواج في إسرائيل زواج ديني، ولا يوجد زواج مدني، كما أنه لا يوجد في دولة إسرائيل دستور؛ لأن التوراة هي القانون الأساسي للدولة.
كما أن التوراة ذاتها تعرِّف المواطن، وتحدِّد من هو الإسرائيلي، وهي ذاتها تحدد حدود الدولة، بل وتبرر الحرب والإرهاب.
* علينا ألا ننسى أجزاء التوراة التي تبرر هذه الحرب, فنحن نؤدي واجبنا الديني بوجودنا هنا، فالنص المكتوب يفرض علينا واجبًا دينيًّا، وهو أن نغزو أرض العدو. [صحيفة هآأرتس 5/7/1982م, على لسان حاخام برتبة نقيب].
والمذابح ابتداءً من دير ياسين، وحتى «صابرا وشاتيلا» تبررها التوراة. «وحرّقوا كل ما في المدينة من رجل وامرأة وطفل، ومسن وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف». [سفر يسوع الإصحاح 6 الآية 21].
وإن تصريح شعار دولة علمانية ديمقراطية في إسرائيل؛ مجرد إلهاء ولهو؛ لأننا رأينا كيف أن الكيان الصهيوني كيان توراتي حتى النخاع؛ وبالتالي فإن من يطرح هذا الشعار كمن يدفن رأسه في الرمال، أو يريد مواجهة مجتمع بأسلوب لا بد أن يفشل معه وليس مكافئًا له، وهو يسحب سلاح الجماهير المسلمة منها، ولا يسحب سلاح الصهاينة منهم، وبالتالي فهو طرح خائن ومرفوض، فضلاً عن أن هذا الشعار مرفوض تمامًا في إسرائيل، فإسرائيل في نشأتها وطبيعتها لا تنفصل عن التوراة، وإلا سقطت، وبالتالي فإننا حين نطرح أن الصراع يجب أن يكون قرآنيًّا؛ فإننا بالتالي نعطي تحديًا مكافئًا، فضلاً عن أن أمتنا لا تتحرك إلا من خلال قرآنها.
وبالتالي فإنها حضارة توراتية بكل ما تملكه من إرهاب وعنصرية أمام حضارة قرآنية بكل ما تملكه من حرية وإخاء, والصراع صراع حضاري.
المجتمع الصهيوني مجتمع عنصري يدّعي الصهاينة أن كل يهود العالم اليوم من ذرية جنس واحد وكتلة واحدة بأمر الرب, وهذه العنصرية تقوم أيضًا على أساس توراتي، وتستمد وجودها من عناصر التوراة التي حرَّفها اليهود، وهكذا فإن اليهود هم شعب الله المختار، وبقية العالم عبيد لهم. وهي فكرة مرفوضة من علم الأنثربولوجي وعلم الآثار، ومرفوضة أيضًا تاريخيًّا.
ولكن يجب علينا كجماهير مسلمة أن نطرح في مواجهتها شعار الأممية الإسلامية، بمعنى أن نطرح شعار الظاهرة الثقافية في مواجهة الظاهرة العنصرية والظاهرة الرسالية المتفتحة على كل المستضعفين في مواجهة القومية الدينية ضيقة الأفق.
والإسلام يرفض فكرة العنصرية والعرقية، ويطرح المسلمون أن كل مستضعفي العالم من مسلمين وغير مسلمين في خندق واحد أمام كل القوى الشيطانية، حتى لو كان فيهم مستكبرون يتسمون بأسماء إسلامية. إن جماهير المسلمين تطرح رسالة يقوم بها الإسلاميون الذين يمكن أن ينتسب إليهم أي شخص بصرف النظر عن جنسه ولونه، ويتحالف مع الإسلاميين كل المستضعفين، ويدافع هذا المعسكر عن كل المستضعفين حتى لو كانوا يهودًا، وهذا يسقط شعار القومية العربية في مواجهة القومية اليهودية.
الأسطورة التاريخية
ووفقًا لنصوص التوراة, فإن الصهاينة يحاولون تلفيق التاريخ في المنطقة بشكل يجعل لليهود حقًّا تاريخيًّا في فلسطين. وهكذا فإن اليهود يستعملون كل طاقتهم التاريخية في حشد قواهم ضد أمتنا وحضارتنا، وبالتالي فإن أي طرح يجابه هذا التحدي يكون غير متكافئ ما لم يحشد طاقتنا التاريخية والحضارية أمامهم، وهكذا فإن على الجماهير المسلمة أن تتسلح بالوعي التاريخي ابتداءً من خيبر، واقتحام القدس وتحريرها على يد عمر بن الخطاب لتستطيع مواجهة ذلك التحدي الحضاري.
أسطورة الصحراء الخالية
روَّج الصهاينة لأسطورة أن أرض فلسطين شبه صحراوية، وأنها لا زرع فيها ولا ضرع، وعلى من شاء أن يأتي للحصول على ما يشاء من الأرض، هذا من ناحية, ومن ناحية أخرى فإنهم يروجون للمعجزة الإسرائيلية الاقتصادية في أرض فلسطين.
وعلينا كجماهير مسلمة أن نواجه ذلك التحدي بما يلي:
- دراسة البيئة الاقتصادية للمنطقة، وإثبات أنها لم تكن يومًا ما صحراء.
- إثبات تآمر الرجعية العربية والأسر الإقطاعية مع الصهاينة في محاولة نهب الأراضي التي كانت مزروعة ولم تكن صحراء.
- التشبث بشدة بالبقاء بالأرض المحتلة ودعم صمود الأهالي داخل الأرض المحتلة، بل ودعمهم اقتصاديًّا لإقامة كيان اقتصادي عربي داخل الأرض المحتلة.
الكيان الصهيوني كيان استعماري لا بد أن نقرر هنا أن الكيان الصهيوني هو جزء من القوى الشيطانية التي تستهدف أمتنا بحضارتها ومصالحها ووحدتها وطبيعتها بوجود رأس الحربة الشيطانية.
يقول هرتزل في كتابه: «الكتلة اليهودية ستكون جزءًا من حائط يحمي أوروبا من آسيا، وستكون بمثابة حارس يقف في الطليعة ضد البربرية», لاحظ أن آسيا هي القارة المسلمة، وأن كلمة البربرية تعني المسلمين.
وهكذا فقد حدَّد هرتزل دور الصهيونية كجزء من القوى الاستعمارية وكحليف أساسي لها، وأنه سوف يؤدي دوره في ضرب حركة الجماهير المسلمة والوقوف كحائط أمام امتدادها. والكيان الصهيوني كيان استعماري من نوع استيطاني، وهكذا فإنه يعتمد على الإرهاب والإفناء في محاولة التفريغ للأرض من سكانها والحلول محلها؛ وهكذا فإن كل يهودي يقيم في أرض إسرائيل فهو عدو لي مهما كان انتماؤه السياسي.
وإسرائيل تعتمد سياسة التوسع، وبالتالي فهي كيان استعماري باستمرار, استعماري بطبيعته، واستعماري بتركيباته، واستعماري بارتباطاته الاستعمارية وبدوره في المنطقة، وهكذا فإن مقولة التحالف بين البروليتاريا العربية والإسرائيلية التي يروِّج لها اليسار هي مقولة خائنة ومرفوضة، وعلينا أن نُسقطها؛ لأن الكيان الصهيوني كله كيان استعماري بكل انتماءاته وطبقاته.
وهكذا فإن الطرح المكافئ لهذا يتمثل في:
- ضرب كل المصالح الاستعمارية، وليس ضرب اليهود وحدهم.
- اعتبار كل يهودي على أرض فلسطين مستباح الدم.
- أن كل أساليب التفاوض والمهادنة إلهاء وتضييع للجماهير وصرفها عن دورها الحقيقي.
- اعتبار حرب التحرير الشعبية الإسلامية هي الحل الوحيد.
الكيان الصهيوني كيان عسكري
تنفق إسرائيل أكثر من 50% من ميزانيتها على الجيش، وبذلك يمكن اعتبار الكيان الصهيوني كيانًا توراتيًّا استعماريًّا عسكريًّا، وهذا يدعونا لأن نواجهه بأيديولوجية إسلامية وحرب تحرير شعبية وصراع حضاري متكافئ.
ودراستنا لطبيعة المؤسسة الإسرائيلية توضح بجلاء عبث الدخول مع الكيان الصهيوني في حرب جيوش، ولكن ترك الجماهير المسلمة لتواجه الكيان الصهيوني بحرب طويلة المدى.
الكيان الصهيوني كيان فاشي
والكيان الصهيوني بتركيبته وطبيعته وتوجهاته، كيان فاشي؛ فالديمقراطية الإسرائيلية ديمقراطية بالنسبة لليهود، وليست ديمقراطية بالنسبة لغير اليهود, والتحدي المكافئ لهذا هو النضال المستمر لجماهير المسلمين من أجل انتزاع حريتها داخل بلدانها ومزيد من إبراز الوجه الحقيقي للإسلام كرسالة تؤمن بحرية الجماهير ومساواتهم.
بعض الملاحظات المهمة
قضية العداء للسامية
- معاداة اليهودية ترجع إلى أصل مسيحي، وهي من مخلَّفات الفكر القسطنطيني، الذي ورث تقاليد كهنة المعابد اليهودية، وتقاليد الإمبراطورية الرومانية، فبعد أن كانت تلك الكنيسة مستضعفة أصبحت تمارس الاضطهاد بمجرد استيلائها على السلطة، وراحت تصب غضبها على كل الأديان الأخرى، سواء أكانت وثنية أم يهودية، ووجدت في اليهودية منافسًا خطيرًا ينبغي القضاء عليه، واتهمت اليهود بأنهم عندما رفضوا الاعتراف بأن يسوع هو المسيح، فقد أصبحوا في عِدَاد «قتلة الرب». [من كتاب برنا ولازار (اللاسامية) نشر عام 1894م].
- معادة اليهودية (اللاسامية) فكرة تخدم الصهيونية؛ حيث إن أعداء السامية يريدون التخلص من اليهود، ولو على حساب إقامة دولة لهم في أراضي الغير. - إنه لم يثبت في تاريخنا أي اضطهاد لليهود على يد المسلمين.
- إننا كجماهير مسلمة نرفض العداء للسامية، ونعلن تضامننا مع كل مضطهَد. وإننا نرفض فكرة اضطهاد اليهود من أساسها؛ لأن هذا موقف يأباه ديننا الحنيف, ولكننا بنفس القدر نرفض أن ندفع ثمن اضطهاد غيرنا لليهود.
إسرائيل والاستعمار الغربي
علينا أن نفهم أن هناك صراعًا جوهريًّا بين القوى الإسلامية والقوى الشيطانية وأن القوى الشيطانية تمثل في العالم:
- استعمارًا غربيًّا، صليبيًّا.
- كيانًا صهيونيًّا.
- وأن هناك تناقضًا أيضًا بين تلك القوى وبعضها، وبالتالي فعلينا ألا نقع في وهم أن إحدى القوى يعمل لحساب الأخرى، ولكن علينا أن ندرك أن هناك مصالح مشتركة تجمع بينها.
أهمية إسرائيل للاستعمار الغربي
1- إن الغرب الأوروبي يعرف خطورة مد الجماهير المسلمة عليه، وبالتالي فإسرائيل تبرز باستمرار أنها تعتبر بالنسبة لأوروبا الحارس ضد البربرية (البربرية تعني المسلمين).
2- تقوم إسرائيل بمهمة الشُّرْطِي في الشرق الأوسط؛ وذلك للحفاظ على المصالح الغربية البترولية التي لم يعد الغرب – الولايات المتحدة – بقادر على أداء هذا الدور.
3- تصل إلى مراكز الأبحاث الغربية ووزارات الدفاع معلومات متصلة من إسرائيل بشأن أنواع الأداء لمختلف أنواع الأسلحة التي لم تُستخدم بعدُ، وهكذا يستطيع الجيش الأمريكي مثلاً تجربة أسلحته المتقدمة في جيش إسرائيل، وهكذا فإن مقولة اليمين بأننا نستطيع إقناع أمريكا أو المجتمع الأمريكي بحقنا المشروع، هو قول من قبيل التضليل، فقضية أهمية إسرائيل الاستراتيجية بالنسبة للاستعمار الغربي قضية محسومة.
إن هذا يدفعنا لإسقاط مقولة: إن أوراق اللعبة بنسبة 99.5% أو أي نسبة مئوية أخرى بيد أمريكا، وعلينا أن ندرك أن علينا أن نعتمد على أنفسنا في مواجهة إسرائيل، ومعرفة أن إسرائيل ليست وحدها في المعركة، ولكن الغرب كل الغرب ضدنا، ووفقًا لمصالحه، وهكذا فإن دراسة بنيان وطبيعة وتوجهات الكيان الصهيوني لمواجهة التحدي بتحدٍّ مكافئ، أبرز:
- أن الحرب حرب حضارة ضد حضارة.
- حرب انتماء.
- أنه ما لم نتسلح بأيديولوجيتنا الإسلامية فلا فائدة.
- أن حرب التحرير الشعبية الإسلامية طويلة المدى هي الحل الوحيد.
- أن الحروب النظامية بالنسبة لنا خسارة مؤكدة.
وهكذا فإن التحدي يبرز شعار: «أيديولوجية إسلامية وحرب تحرير شعبية», وهي نفس المقولة التي يفرزها إسلامنا وقيمنا، وواجبنا تجاه ربنا؛ فليس هذا هو واجبنا تجاه الله فحسب، ولكنه جزء من طبيعة رسالتنا، كما أنه هو التحدي الوحيد المكافئ للتحدي الصهيوني