صدام العروبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــه
ابو عدي الله يرحمه الدوافع الأمريكية لحرب العراق س1 : ما هي الدوافع الأمريكية لغزو العراق ؟ .
ج1 : الإجابة على هذا السؤال يحتاج إلى إطالة لأن الدوافع الأمريكية لغزو العراق هي أكبر من نزع أسلحة الدمار الشمال أو تغيير نظام صدام حسين ، فهذا الإعلان من قبل الصليبيين ما هو إلا تسطيح لدوافع غزوهم للعراق ، وستار يخفون خلفه الدوافع الحقيقية ، خاصة وأنهم لم يستطيعوا مع بقية دول العالم ولا عن طريق المفتشين أيضاً لم يستطيعوا إثبات شيء مما ادعوه ضد نظام صدام ، ولا يمكن أبداً أن يستسيغ المرء دفع كل هذه القوات وبهذا الإنفاق الضخم من أجل أهداف لم يستطيعوا إثباتها أو ربما ليس لها وجود على أرض الواقع فمن الواضح للعالم كله أن أمريكا لا تمتلك دليلاً تثبت به دافعها المعلن للحرب ضد العراق ، علماً أن دوافعها المعلنة يوجد أضعافها في دول أخرى خارج ما أسمته بالشرعية ، فلماذا لا يتخذ ضدها نفس الإجراءات أو حتى عشرها ؟ ، إذاً اتضح للجميع أنه و لابد أن يكون للصليبيين دوافع أخرى تدفعهم لتجشم هذه المخاطر والتكاليف الباهظة للسيطرة على العراق .
وبدلاً من الإطالة بذكر الدوافع المتعددة للصليبيين في جميع المجالات فإننا لن نأتي على جميع الدوافع ، فقد أشبع الباحثون بكافة تخصصاتهم هذا الموضوع بحثاً من جميع جوانبه قبل الحرب ، إضافة إلى أنه سيطول بنا المقام وسيخرجنا عن المراد ، فالمقصود الإشارة لا التفصيل .
وفي هذه العجالة سنتحدث عن أهم دافعين من الدوافع الحقيقية لهذه الحرب :
الأول : الدافع العقدي .
ونقصد من ذلك العقيدة الدينية المتطرفة التي دفعت إدارة البيت الأبيض المتطرفة لهذا الغزو ، فالجميع يعرف أن هناك توافقاً بروتستانتياً صهيونياً عقدياً ، فهناك وحدة بينهم في مختلف الأهداف وفي المصير .
يؤكد ذلك أن عقيدة البروتستانت هي خليط منسوج استقاه القساوسة من العهد القديم ( التوراة ) المحرفة ، والعهد الجديد ( الإنجيل ) المحرف ، فنتج عن هذا التزاوج الخبيث شر عقيدة عرفها التاريخ ، ويسيطر على عقول هؤلاء جميعاً الإعداد لحرب ( هرمجدون ) المقدسة ، ولن تحصل هذه الحرب حتى يتولى البروتستانت شن حرب صليبية مقدسة كمقدمة لهذه الحرب ، وهذا يدل على أن بوش عندما قال بعد ضربات سبتمبر المباركة أنه سيخوض حرب صليبية طويلة الأجل يدل ذلك أنه يقصد ما يقول وليست زلة لسان كما حاول البعض التعذير له ، بل إنه مصر على هذه الحرب التي ستمهد لحربهم المقدسة ، ولقطع الطريق على من ظن أنه لم يكن يعني ما يقول فقد قال بعدها بأيام عندما كان يخاطب الجنود الكنديين في معرض كلامه لهم " قفوا إلى جانبنا في هذه الحملة الصليبية الهامة " وعلق ( روبرت فيسك ) على عبارات بوش بقوله ( يبدو أن الرئيسي بوش يعتقد حقيقة أنه يقود حملة صليبية ، فقد عاد ليستعمل العبارة قبل أيام رغم أنه حُذر من ذلك ( .
وحتى لا نذهب بعيداً عن حرب العراق لابد أن نبين على أن العقيدة التي دفعتهم لإعلان الحرب الصليبية وشن الهجوم على أفغانستان هي نفسها التي دفعتهم لشن الحرب على العراق ولو حاولوا الكذب بأنها ليست كذلك ولسنا وحدنا ممن يشمئز من العبارات الصليبية التي يستخدمها قادة الشر في البيت الأبيض ، فقد تعدى الإشمئزاز والاستنكار ليصل إلى بني جنسهم ودينهم من الصحفيين والساسة ، وآخر ما صدر تنديد بهذه العقيدة التي دفعتهم لشن حرب على العراق اتهام الرئيس الألماني ( يوهانس راو ) يوم الاثنين 28/1/1424هـ في مقابلة له مع قناة ( إن تي فاو ) الإخبارية حيث اتهم الرئيس الأمريكي بالاستناد إلى منطلقات إنجيلية متطرفة في خطاباته المحرضة على العدوان ضد العراق وقال " إن ادعاءات الرئيس بوش بوجود دوافع إلهية حثته على قيادة هذه الحرب يظهر وقوعه أسير رؤية أحادية مبنية على ضلال مبين " وأضاف قوله " الرئيس الأمريكي ليس له ارتباط بأغلبية النصارى الذين عبر عنهم البابا يوحنا بولس الثاني مرات عديدة برفضه للحرب " وأشار راو إلى أن التغير في موقف الولايات المتحدة في أهدافها المعلنة للحرب فضح الرغبة الأمريكية المبيتة في الحرب ضد العراق ، وأكد أن المبررات التي أعلنتها الإدارة الأمريكية لشن العدوان كانت غير مقبولة .
هكذا يرى النصارى عقيدة بوش المتطرفة الضالة والتي دفعته إلى خوض هذه الحروب ولن تكون حرب العراق الأخيرة فلها ما بعدها .
ويرى البروتستانت أن هجرة اليهود جميعاً إلى فلسطين هي مقدمة لمعركة ( هرمجدون ) المقدسة ، إذا أن هجرتهم ستتيح بناء الهيكل على أنقاض الأقصى كمقدمة لخروج ملك اليهود ، وخروج ملك اليهود هو الإذن بعودة اليسوع ليتبعه النصارى ومعهم اليهود بعد أن يتنصروا اليهود لتقوم المعركة المقدسة ضد الأممين الذين سيبادون جميعاً .
وقد قال ( ستورم مينيستريز ) أحد المؤلفين البريطانيين في كتاب بعنوان ( نوستراداموس صدام حسين ، هرمجدون ) وبحث الكاتب في نصوص التواراة ليجيب على عدة أسئلة طرحها في مقدمة كتابه ومن ضمنها ( هل صدام حسين هو دجال آخر الزمان الذي نبأ به نوستراداموس ؟.
ثم أورد ما جاء في أسفارهم ( 8:19 ) في تفسير جبريل لرؤية النبي دانيال وقال " ها أنا أطلعك على ما سيحدث في آخر حقبة الغضب لأن الرؤيا ترتبط بميعاد الانتهاء ، أن الكبش ذو القرنين الذي رأيته هو ملك مادي وفارس ( إيران والعراق ) ، والتيس الأشعر هو ملك اليونان ( الغرب ) ، والقرن العظيم النابت بين عينيه ، هو الملك الأول وما إن انكسر حتى خلفه أربعة عوضاً عنه ، تقاسموا مملكته ، ولكن لم يُماثلوه في قوته ، وفي أواخر ملكهم عندما تبلغ المعاصي أقصى مداها ( عند اكتمال الظلم ) يقوم ملك فض حاذق وداهية جافي الوجه وفاهم الحيل ( بعض المفسّرين يرونه الرئيس العراقي ) فيعظم شأنه ، وإنما ليس بفضل قوته ، ويسبب دماراً رهيباً ( نتيجة استخدام أسلحة الدمار الشمال ) ، ويفلح في القضاء على الأقوياء ( أمريكا والغرب ) ويقهر شعب الله ( اليهود ) وبدهائه ومركره يُحقق مآربه ، ويتكبر في قلبه ، ويُهلك الكثيرين وهم في طمأنينة ، ويتمرد على رئيس الرؤساء ، لكنه يتحطم بغير يد الإنسان ( أي يموت موتاً طبيعياً ) " .
فهذا التفسير الديني لنصوصهم والذي ينزل على هذه الحرب يفسر أحد أقوى الدوافع لهذه الحرب وإن زعم الأمريكيون أنها ذات دوافع إنسانية .
ويلخص الحضور العقدي في الحروب لدى الأمريكان ما يقوله مايكل كورتب وزوجته – وهما أستاذان في جامعة بول الأمريكية في كتاب ألفاه بعنوان ( الدين والسياسة في الولايات المتحدة الأمريكية ) فقالا " توجد الجذور الدينية للموقف الأمريكي تجاه الحرب والسلام في الكتب المقدسة المسيحية واليهودية ... حيث أن المسيحية كانت لها السيادة في تشكيل الموقف في الولايات المتحدة تجاه الحرب " ثم عددا أقسام الحروب الثلاثة من الناحية العقدية لدى الأمريكان فقالا :
الأول : الحرب المقدسة : كان منهج الحرب المقدسة أو الحرب الصليبية هو أحد المظاهر المهمة للموقف في الولايات المتحدة تجاه الحروب ، ومصطلح الحرب المقدسة يعني حرباً يشنها الصالحون نيابة عن الرب ضد الكفار والمهرطقين سياسياً أو دينياً .
الثاني : الحرب العادلة : إن النموذج السائد للحرب والذي شكل مواقف الناس كان بطريقة أو بأخرى صورة من صور الحرب العادلة ، ما دام إعلان الحرب يكون من جانب السلطة الصحيحة وما دامت أسبابها عادلة فيجوز للأفراد المشاركة فيها بنية حسنة ، ويجوز إجبارهم على ذلك إذا استدعى الأمر .. وعلى هذا النحو أصبحت الحرب أقرب ما تكون للحرب المقدسة .
الثالث : الحرب السلامية : أي التي ترفض الحرب من وجهة نظر دينية باعتبارها أمراً يتنافى مع تعاليم المسيح عليه السلام .. لكن عنوان الاتجاهات السلامية هذه تقف لتؤيد الحرب وتنخرط في أعمال اجتماعية لمساعدة المتضررين منها حين تقع ".
هذه هي أقسام الحرب في العقلية الصليبية المتطرفة التي تمثلها إدارة البيت الأبيض ولا شك أنهم يرون أن حربهم ضد العراق اليوم هي من القسم الأول وهذا ما أنكره عليهم الرئيس الألماني في كلامه السابق .
ما ذكرناه سابقاً هو أحد الوجوه العقدية التي دفعت الصليبيين لشن الحرب وهناك وجوه أخرى منها أن اليهود يجدون في تلمودهم أن خراب دولتهم الثانية سيكون على أيادي جند أولي بأس شديد يخرجون من أرض بابل كما خرج ( بُختنصر ) الذي خرب دولتهم الأولى قبل آلاف السنين وساقهم أسرى ، وسلامة دولتهم تكمن في تدمير أرض بابل الملعونة ( العراق ) وقتل شعبها ليسلموا من الدمار .
ولم تكن هذه النبوءة التي في التلمود لتمر دون تفاعل من قبل البروتستانت الذين يستمدون معتقدهم من خرفات اليهود أيضاً ، ولذا فقد تفاعلوا مع هذه النبوءة للدفاع عن أرض اليهود بكافة الوسائل العسكرية والسياسية ، وحاولوا توظيف كل شيء في هذه الحرب للدفاع عن سلامة دولة اليهود وهذا أحد أهم الدوافع عندهم .
ولم يستبعدوا هذا الهاجس حتى من الأسماء لأسلحتهم ، فعندما أنتجوا قبل شهرين أضخم قنبلة تقليدية عرفها التاريخ ليستخدموها في العراق كما قال وزير الدفاع وصفوها بأنها أم القنابل وهي تزن 9450كجم ، ويعادل انفجارها قنبلة نووية صغيرة ، وقد تمت تجربتها قبل شهرين في ولاية ( فلوردا ) ، وقد أطلقوا عليها اسم ( مؤاب ) وهذا الاسم له دلالة عقدية يهودية صليبية مشتركة ، وهذا الاسم هو اسم لجبال شرقي الأردن سكنها بنو إسرائيل مع موسى عليه السلام قبل أن يدخل بهم يوشع عليه السلام إلى الأرض المقدسة – ونظن أنهم يقصدون زمن التيه الذي ضربه الله عليهم عندما عصوا رسولهم ولكنه لم يكن في الأردن – الشاهد من هذا أنهم يقولون أنهم عندما سكنوا مع موسى عليه السلام في جبال ( مؤاب ) أن موسى عليه السلام أعطاهم الوعد بدولة إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات .
وإطلاق الأمريكان هذا الاسم على أضخم قنبلة صنعوها وعرفها التاريخ ، يدل أن دافعهم في هذه الحرب هو دافع عقدي متطرف ، يؤكد لليهود أنهم ملتزمون بإقامة دولتهم التي ستكون كما وعدكم نبيكم في جبال ( مؤاب ) وسنحققه لكم بأم القنابل التي ستطهر أرض بابل الملعونة من كل شرير .
هذا جانب أخر من جوانب المزيج العقدي المتطرف الصهيوصليبي ، أما الجانب الثالث فهو القضاء دينياً على الأصولية الإسلامية في العالم الإسلامي ، والمقصود بالأصولية الإسلامية هو الإسلام الذي يخرج عن النموذج الأمريكي قال ( حاييم ) رئيس دولة اليهود الأسبق ( إن الأصولية الإسلامية هي أكبر خطر يواجه العالم ، وإن إسرائيل تحمي قيم الغرب من الصحوة الإسلامية " .
وقال غراهام فولر – أحد كبار المستشارين السياسيين في مؤسسة راند للدراسات بواشنطن وكان نائب رئيس مجلس الاستخبارات القومي في وكالة المخابرات الأمريكية ( سي آي إيه ) - في مقال له بعنوان ( أزمة العلاقات الأمريكية السعودية ) بتاريخ 9/11/1422هـ قال " للمرة الأولى تهاجم الصحافة الأمريكية ( الحركة الوهابية ) باعتبارها حركة دينية غير متسامحة ، ومصدر الحركات الجهادية في العالم " .
وقد عني أعضاء الكونجرس الأمريكي كثيراً بمهاجمة الوهابية وكتابة التوصيات لضربها في عقر دارها في بلاد الحرمين ، وقد عقدت جلسة للكونجرس خصصت عن الخطر الوهابي بتاريخ 11ربيع الأول 1423هـ فتهجم الجميع وأوصوا بضربها كمذهب متطرف داعم للإرهاب في مختلف أنحاء العالم ، وقال ( جيمس ولسي ) أحد المتحدثين في الكونجرس بأن الوهابية وحدها ليست مسئولة عن فكر الجماعات المتطرفة ولكنها مثلت هي والأصولية الإسلامية المنتشرة في مختلف أنحاء العالم الإسلامي تربة خصبة لنشأة الجماعات الإرهابية مثل القاعدة ، وشبّه ولسي الأصولية الإسلامية بالفلسفات المتطرفة التي سادت أوربا بعد الحرب العالمية الأولى التي قادت إلى ظهور النازية كحركة إرهابية .
ثم ختم أعضاء الكونجرس جلستهم بتقديم توصيات طالبوا فيها الولايات المتحدة بالضغط المباشر على المملكة العربية السعودية لإدخال الإصلاحات المطلوبة على المستويات الفكرية والتعليمية والسياسية ، فاستجابت دولتهم وهذه التوصيات تبعتها دراسات عملية هي محل تطبيق الآن تمثل حرب العراق أحد مراحلها .
وقد عبرت عن ذلك مستشارة الرئيس الأمريكي لشئون الأمن القومي ( كوندوليزا رايس ) في صحيفة ( الفايننشال تايمز البريطانية ) يوم الاثنين 16/7/1423هـ عندما ذكرت " أن الولايات المتحدة تريد أن تكون قوة محررة تركرس نفسها لإحلال الديمقراطية ومسيرة الحرية في العالم الإسلامي " وقالت " إن النضال من أجل ما وصفته بالقيم الليبرالية الأمريكية يجب ألا يتوقف عند حدود الإسلام " وقالت " هناك عناصر إصلاحية في العالم الإسلامي نريد دعمها " .
معنى ذلك لابد من فرض القيم الصليبية والتقديم لهذه المرحلة بعناصر تؤصل الإسلام الأمريكي .
ويؤكد هذا المعنى تصريح وزير الدفاع الأمريكي ( بول وولفويتز ) يوم 25/3/1423هـ لصحيفة ( واشنطن تايمز ) حيث قال ( إن من أكثر الدول التي يمكن أن تكون أمثلة للدول الإسلامية الحرة الديمقراطية هي : تركيا ، وأندونيسيا ، والمغرب " وقال " نروج لذلك النوع من النجاح كحل للإرهاب على المدى البعيد ، أما على المدى القريب فمن المهم اعتقال وأسر وقتل الإرهابيين " .
ويتبين من هذه التصريحات أن مسخ الإسلام هو أحد الأهداف العقدية لهذه الحملة الصليبية ، فالدافع العقدي هو أعظم دافع يدفع الصليبيين لشن هذه الحروب ، ومحاولة التقليل من شأن هذا الدافع كما أنه تكذيب لحقيقة أمرهم إلا أنه أيضاً مناقضة لما وصفهم الله تعالى به ، فهم على كل حال لن يعدو وصف الله لهم قيد أنملة ، ولم يحذر الله منهم ويبين عداءهم لنا عبثاً ، فبعض ما نقلناه عنهم هو عين ما أخبر الله به عنهم قال تعالى ( يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودّوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينّا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) فهذه الآية تبين أن ما نقلناه ونقله غيرنا من أقوالهم الصليبية الحاقدة ليس إلا بعض بغضائهم لنا ولديننا ، ويجب علينا أن نعتقد أن ما تخفي صدورهم أكبر بكثير مما بدا من أفواههم .
فكل مسلم صاحب عقل لا يمكن أبداً أن يستبعد الدوافع العقدية في حربهم لنا ، فمن اعتقد غير ذلك فهو ضال لا يعقل ، قال تعالى ( ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والأخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) وقال ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) ، فمن أصدق من الله قولاً وقد حكم أن قتالهم لنا قائم على دافع ردنا عن ديننا فقوله ( يزالون ) أي أنهم مستمرون بذلك إلى قيام الساعة ، ورضاهم عنا وكفهم عن قتالنا لن يحصل إلا أن نتبع ملتهم ، والنصوص من الكتاب والسنة المبينة لدوافعهم العقدية في قتالهم وعدائهم لنا كثيرة لا يسع المقام لذكرها .
فمما تقدم بينا ثلاث جوانب عقدية تدفع الصليبيين لهذه الحروب الحديثة على العالم الإسلام ، وهي حلقة من سلسلة حروب طويلة يرون أنهم بحاجة إلى شنها ليصلوا إلى مبتغاهم العقدي ، وهناك جوانب عقدية أخرى أقل أهمية من هذه الجوانب لا نطيل بذكرها .
الدافع الثاني لهذه الحرب : هو الهدف الاقتصادي :
إن أمريكا تعد أكبر بلد صناعي في العالم وهي بالتالي أكبر مستورد للنفط ، إلا أن إنتاجها النفطي لا يوفي بحاجتها أبداً ، وافتقارها الشديد للنفط يضطرها لخوض الحروب والتضحية بالكثير من مكتسباتها من أجل تأمين النفط الخام ، وقد أصبح تأمين النفط هاجساً حقيقياً يؤرق الإدارات الأمريكية المتتابعة منذ أكثر من خمسة عقود بشقيها الجمهوري والديموقراطي ، وقد مرت محاولات تأمين النفط لأمريكا من قبل الإدارات المتتابعة بمراحل في العمل والتخطيط ، واستقرت في نهاية الأمر على ضرورة ضمان السيطرة على منابع النفط بشكل كامل بطريق مباشر أو غير مباشر ، ووضعت خطط لأجل ذلك كان من أشهرها ما وضعه كسنجر قبل أكثر من ثلاثة عقود والتي حظيت بتطبيق الإدارات لها مع تعديلات تناسب التغير الحاصل في العالم .
ومما زاد من أهمية منابع النفط لأمريكا أنها دولة تبسط نفوذها على العالم عن طريق الاقتصاد أكثر من بسط نفوذها عن طريق التحرك العسكري ، فهي منظومة اقتصادية أكثر منها عسكرية ، علماً أن سيطرتها العسكرية وتقدمها الصناعي العسكري لا يمكن أن يحصل إلا بقوة اقتصادية هائلة تدعمه ، وبقدر ضعف اقتصادها يضعف نفوذها في العالم ، لذا فإنها أبدت استماتة كبيرة جداً في محاولة تأمين عصب الاقتصاد ، وعملت أمريكا على منافسة دول العالم الصناعية كلها للسيطرة على منابع النفط وأخذ المستعمرات السابقة من بين أيدي الأوروبيين .
ومما أزعج الأمريكيين كثيراً أن كمية الإنتاج النفطي في العالم وسعر البرميل خرج من سيطرتها وأمرها وأصبح تحت تصرف منظمة ( أوبك ) التي تضم الدول المصدرة للنفط ، وأصبح مؤشر سعر البرميل وكمية النفط خاضع لسياسة المنظمة المتمردة نوعاً ما على أمريكا لا سيما بقيادة ( شافيز ) الرئيس الفنزولي الحالي الذي حاولت أمريكا إقصاءه عن الحكم ولكن دون جدوى .
وكل يوم يمر على الأمريكان يشعرون بأنهم بحاجة ماسة لفعل أي شيء لضمان تحرير اقتصادهم من سياسات الدول الأخرى والسيطرة على منابع النفط بشكل كامل ، وهم و إن كانوا الآن يملكون التصرف في المنابع النفطية في الخليج خاصة سوى العراق ، إلا أنهم لا يظمنون استمرار هذه السيطرة وعدم تمرد شعوب الخليج أو الحكومات عليهم ، فرأوا أنهم بحاجة ماسة للتعجيل بعمل عسكري يضمن لهم هذه السيطرة .
وبعد استلام الرئيس بوش الابن لمقاليد الحكم بدأ الاقتصاد الأمريكي يدخل مرحلة الركود والتذبذب بعد أن حقق أعلى المستويات في آخر رئاسة كلنتون ، وجاءت القاصمة بالضربات المباركة ودُمر برجا التجارة ودمر الاقتصاد الأمريكي معهما ، وتحول الركود الاقتصادي إلى تدهور وانحدار وعبر عن هذه المرحلة ( مارشال لو ) المحلل الاقتصادي بقوله " إن رموز الاستثمار الأمريكي بدأت تهتز على وقع هبوط الدولار أمام العملات العالمية ، ويقول بأنه وصل إلى أدنى مستوى مقابل الفرنك واليورو والين ، ويقول بأن هذا الأمر يحمل مخاطراً حقيقية على الأمريكان في الاضطرابات التي أصلاً كانت تحتاج إلى قدوم الأموال إليها لسد العجز الدائم في الميزانية الأمريكية ، ويختم كلامه بقوله إننا لم نشهد مثل هذه الحالة في الماضي إطلاقاً ففي كل يوم تظهر أزمة في العالم جديدة تزيد من معاناة الدولار " .
وفي تقرير للبنك المركزي بعد ضربات سبتمبر بثمانية أشهر أفاد التقرير بأن الصناعة الأمريكية تعمل في الوقت الراهن بنسبة 75% من طاقتها الكلية وهو أقل معدل تعمل به منذ ثمانية عشر عاماً ، ولكن المراقبين يشككون في صحة هذه الأرقام مؤكدين أن المعدل أقل من ذلك بكثير .
وقال صمويل جيردانو المدير التنفيذي لمعهد الإفلاس الأمريكي قال " كان عام 2001م عام رواج لحالات الإفلاس ، أدت المستويات الفلكية لديون المستهلكين مقترنة بالانكماش الاقتصادي إلى مواجهة مزيد من الأسر لضغوط اقتصادية أكثر من أي وقت مضى " .
هكذا عبر الأمريكيون عن حالة الاقتصاد بعد الضربات المباركة ، وتحول الفائض الذي حققته إدارة كلنتون والبالغ قرابة سبعة ترليونات دولار إلى عجز في نهاية عام 2002م بلغ ما يقرب من 156مليار دولار .
شعرت أمريكا بعد ضربات سبتمبر وبعد تورطها في حرب أفغانستان وحرب ما أسمته بالإرهاب في كل العالم ، شعرت أن العبء الاقتصادي عليها ضخم جداً وأن اقتصادها بدأ يحتضر ، ولابد لها من عمل تنقذ به اقتصادها ، وقد أوضح هذا المستشار الاقتصادي للرئيس بوش عندما قال بأن الاقتصاد الأمريكي مقبل على الانهيار وأن انتعاشه مرهون بانخفاض أسعار النفط تحت عشرة دولارات للبرميل .
وقد قالت صحيفة الليبراسيون الفرنسية إن جورج بوش يسيل لعابه على سبعة ملايين برميل نفط عراقي يمكن إنتاجه يومياً لتقليل الاعتماد على النفط السعودي .. وقالت : إن بوش يدرك جيداً أن احتياطي العراق من البترول يصل إلى 115مليار برميل ، مما يضع العراق في المرتبة الثانية من حيث الاحتياطي البترولي العالمي بعد السعودية " .
ونشرت جريدة الحياة في عددها الصادر يوم 27/7/1423هـ مقالاً بعنوان ( النفط عامل رئيس في الحرب على العراق ) قالت فيه " لم يكن موضوع زيادة اعتماد الولايات المتحدة على نفط الخليج يحظى باهتمام كبير من قبل القائمين على السياسة الأمريكية حتى 11 أيلول ( سبتمبر ) 2001 ، غير أنه منذ ذلك الحين ، أصبح هناك تصميم واضح للإدارة الأمريكية على خفض اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد من منطقة الشرق الأوسط وزيادة الواردات النفطية من روسيا وأمريكا اللاتينية ودول غرب أفريقيا وحوض بحر قزوين ، وإذا نجح الرئيس الأمريكي جورج بوش بتحقيق التغيير المستهدف للنظام العراقي ، سيُفتح المجال أمام شركات النفط الأمريكية للعمل في العراق والاستفادة من احتياطات نفطية ضخمة ، وسيصبح العراق مصدر نفط أكثر أماناً للولايات المتحدة ، وإذا ما تحقق هذا السيناريو فإن العراق سيستطيع زيادة طاقته الإنتاجية لتعود إلى المستويات التي وصلت إليها سابقاً وتجاوزت 3.5مليون برميل يومياً على أن تصل معدلات الإنتاج هذه إلى ما يقرب من ستة ملايين برميل يومياً بعد خمس سنوات ، وستؤدي هذه الزيادة إلى ظهور فائض في الإنتاج في سوق النفط الدولية ، وستضعف من قدرة ( أوبك ) للسيطرة على الأسعار ، وستشعر واشنطن عندها أنها في وضع تستطيع فيه الضغط على دول الخليج للقيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية الملطلوبة " .
فلم يكن أمام أمريكا إلا أن تركز على ضرب سوق النفط أو محاولة سرقة النفط من دولة أخرى ، فحاولت عن طريق المؤامرات إزاحة الرئيس الفنزولي الذي عمل كصمام أمان لأسعار النفط كونه رئيس منظمة أوبك ، ولم تفلح ، ففكرت بغزو العراق دون أي مبرر مقنع لا لأعضاء مجلس الأمن ولا للعالم ولا حتى للأمريكيين ، وسعت لشن حرب ظالمة ترى أنها ملزمة بشنها على العراق لاحتلال نفطه رغم أن هذه الحرب قد تكلفها 100مليار دولار من الناحية الاقتصادية سوى الخسائر البشرية والسياسية ، إلا أنها ترى أن احتلال نفط العراق بالنسبة لها يعد الركيزة الأهم لمنع انهيار اقتصادها إذا ما احتلت العراق ونصبت عليه حكومة عسكرية أمريكية تسرق النفط منه دون مقابل .
ووقع اختيارها على العراق لأهداف عقدية قدمنا طرفاً منها ، زيادة على ذلك أنه هو البلد النفطي الوحيد الذي فرض على نفسه عزلة سياسية مع دول الجوار ، والأهم من ذلك أنه يعد البلد النفطي الثاني من حيث المخزون ، ويصل إنتاجه النفطي إلى أكثر من خمسة ملايين برميل يومياً ، واحتلال أقوى دولة عسكرياً في المنطقة بعد إسرائيل يعد استراتيجية عسكرية وسياسية لا مثيل لها .
هذا جانب واحد من جوانب الدافع الاقتصادي ولا نطيل بذكر بقية الجوانب الاقتصادية الأخرى فهي متشعبة سواء كانت إقليمية أو دولية ، ولكن الجانب الاقتصادي والتحكم في سعر البرميل هو أكبر العوامل التي ستتيح للأمريكيين فرض سياستهم على المنطقة التي تعتمد اعتماداً كلياً على النفط ومع فقدان قيمته فسوف تنصاع لأمريكا زيادة على انصياعها الكامل .
وفي تقديرنا أنه لو لم يكن لهذا الدافع الاقتصادي دافع عقدي قوي لما جعل أمريكا تتجه للعمل العسكري لحل أزمتها الاقتصادية التي ستفقدها الكثير من الجوانب الأخرى ، ولكن هناك دوافع عقدية حفزت الصليبيين على هذا العمل ضمن إطار الحملة الصليبية التي أعلنوا عنها ، ومهما تكن المخاطر التي تنذر بفشل حملتهم وانقلابها ضدهم حسب توقعات المحللين ، فإن هذا لن يثني الإدارة المتطرفة ، لأنهم يتحركون وفقاً لمعتقد يرون فيه أن الرب خولهم لتنفيذ ما يرضيه كما صرح بوش بذلك .
هذان هما أهم دافعان نرى أنهما دفعا الإدارة الصليبية المتطرفة لهذه الحرب الظالمة على العراق ، وهناك دوافع استراتيجية أخرى وتكتيكية سياسية كانت أو عسكرية أو حتى مائية ، اجتمعت كلها لتجعل من غزو العراق أمراً ضرورياً لابد منه ولا يمكن تأجيله بحال .
هذا ما نرى أنه يجب تصوره في الإجابة على سؤال الدوافع الأمريكية لحرب العراق .